نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 506
في ميزان الحال جملة واحدة وبقي حاله موفورا عليه كان ذلك الفتح هو الفتح المطلوب عند القوم وبعد أن تقرر هذا فلنذكر كل نوع من أنواع الفتوح أما الفتوح في العبارة فإنه لا يكون إلا للمحمدي الكامل من الرجال ولو كان وارثا لأي نبي كان وأقوى مقام صاحب هذا الفتح الصدق في جميع أقواله وحركاته وسكونه إلى أن يبلغ به الصدق أن يعرف صاحبه وجليسه ما في باطنه من حركة ظاهرة لا يمكن لصاحب هذا الفتح أن يصور كلاما في نفسه ويرتبه بفكره ثم ينطق به بعد ذلك بل زمان نطقه زمان تصوره لذلك اللفظ الذي يعبر به عما في نفسه زمان قيام ذلك المعنى في نفسه وصورته وليس لغير صاحب هذا الفتح هذا الوصف ويكون التنزل على صاحب هذا الفتح من المرتبة التي نزل فيها القرآن خاصة من كونه قرآنا لا من كونه فرقانا ولا من كونه كلام الله فإن كلام الله لا يزال ينزل على قلوب أولياء الله تلاوة فينظر الولي ما تلي عليه مثل ما ينظر النبي فيما أنزل عليه فيعلم ما أريد به في تلك التلاوة كما يعلم النبي ما أنزل عليه فيحكم بحسب ما يقتضيه الأمر هكذا هو الشأن ولهذا التنزل في قلب الولي حلاوة نذكرها في النوع الثاني من الفتح فلا تقع التلاوة لصاحب هذا الفتح إلا من كون المتلو قرآنا لا غير فيفتح الله له في العبارة فيعرب بقلمه أو بلفظه عما في نفسه بحيث أن يوضح المقصود عند السامع إذا كان السامع ممن ألقى السمع ومن علامة صاحب هذا الفتح عند نفسه استصحاب الخشوع وتوالي الاقشعرار عليه في جسده بحيث أن يحس بأجزائه قد تفرقت فإن لم يجد ذلك في نفسه فيعلم أنه ليس ذلك الرجل المطلوب ولا هو صاحب هذا الفتح وهذا فتح ما رأيت له في عمري فيمن لقيته من رجال الله أثرا في أحد وقد يكون في الزمان رجال لهم هذا الفتح ولم ألقهم غير أني منهم بلا شك عندي ولا ريب فلله الحمد على ذلك وسيرد في فصل المنازل في منزل القرآن فرقان ما بين أسمائه فإنه القرآن والفرقان والنور والهدى وغير ذلك من الأسماء الموضوعة له ومهما تصور المتكلم المعبر عما في نفسه ما يتكلم به قبل العبارة ويرتب التعبير عن الأمر في نفسه ويحسنه ويتمعنه بحيث أن يحسن عند كل من يسمع تلك العبارة فليس هو بصاحب فتح فإنه من شأن الفتوح أن يفجأ ويأتي بغتة من غير شعور هكذا كل فتوح يكون في هذا الطريق ثم إنه من حقيقة صاحب هذا الفتح شهود ما يعبر عنه وشهود من يسمع منه وبما يسمع منه فيعطيه من العبارة ما يليق بذلك السمع الخاص فإن لم يكن بهذا الوصف فليس هو بصاحب فتح في العبارة وهذا معنى قولنا إن سببه الإخلاص النوع الثاني من الفتوح الذي هو فتح الحلاوة في الباطن وهو سبب جذب الحق بإعطافه فهذه الحلاوة وإن كانت معنوية فإن أثرها عند صاحبها يحس به كما يحس ببرد الماء البارد وصورة الإحساس بها كصورة الإحساس بكل محسوس وطريقها في الحس من الدماغ ينزل إلى محل الطعم فيجدها ذوقا فيجد عند حصول هذا الذوق استرخاء في الأعضاء والمفاصل وخدرا في الجوارح لقوة اللذة واستفراغا لطاقته ومن أصحاب هذا الفتح من تدوم معه هذه الحلاوة ساعة ويوما وأكثر من ذلك ليس لبقائها زمان مخصوص فإنه اختلف علينا بقاؤها فوقتا نزلت علينا في قضية فدامت معنا ساعة ثم ارتفعت ثم نزلت في واقعة أخرى فدامت أياما ليلا ونهارا وحينئذ ارتفعت فإذا ارتفعت زال ذلك الخدر من الجوارح وهذه الحلاوة لا يمكن أن يشبهها لذة من اللذات المحسوسة لأنها غريبة لكونها معنوية في غير مادة محسوسة فما تشبه حلاوة العسل ولا حلاوة الجماع ولا حلاوة شئ محسوس كما أنها أيضا لا تشبه حلاوة حصول العلوم المعشوقة للطالب بل هي أعلى وأجل وأثرها في الحس أعظم من أثر الحلاوة المركبة في المواد المحسوسة كحلاوة كل حلو وتميزها عن لذات المعاني إنما هو بمالها من الأثر في الحس فافهم ذلك ولما سماني الحق عبدا بأسمائه وفتح لي في هذه الحلاوة ما رأيت أشد أثرا منها في الاسم العزيز فلما ناداني بيا عبد العزيز ومعنى ذلك أن يقام الإنسان عبدا في كل اسم إلهي ليحصل الفرقان بين الحقائق لتحصيل العلوم الإلهية وجدت لهذا النداء من الحلاوة ما لم أجد لغيره من الأسماء ونظرت في سبب ذلك فوجدت إن مقام العزة يقتضي أن يكون الأمر كذلك وهذه الحلاوة وإن تميزت عن حلاوة المحسوسات والمعاني فهي متنوعة في نفسها فحلاوة أمر ما منها خلاف حلاوة أمر آخر يجد الذائق الفرق بينهما كحلاوة السكر يجد الإنسان الفرق بينها وبين حلاوة العسل وإن اشتركا في الحلاوة وكذلك الأمر هنا ولا تحصل هذه الحلاوة لا حد
506
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 506