نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 504
حقيقة الإنسان كان هذا أيضا عين تدبيرها لهذا البدن من باب اللطائف لأنه لا يعرف كيف ارتباط الحياة لهذا البدن بوجود هذا الروح اللطيف لمشاركة ما تقتضيه الطبيعة فيه من وجود الحياة التي هي الروح الحيواني فظهر نوع اشتراك فلا يدرى على الحقيقة هذه الحياة البدنية الحيوانية هل هي لهذه اللطيفة الظاهرة عن النفخ الإلهي المخاطبة المكلفة أو للطبيعة أو للمجموع إلا أهل الكشف والوجود فإنهم عارفون بذلك ذوقا إذ قد علموا أنه ما في العالم إلا حي ناطق بتسبيح ربه تعالى بلسان فصيح ينسب إليه بحسب ما تقتضيه حقيقته عند أهل الكشف وأما ما عدا أهل الكشف فلا يعلمون ذلك أصلا فهم أهل الجماد والنبات والحيوان ولا يعلمون أن الكل حي ولكن لا يشعرون كما لا يشعرون بحياة الشهداء المقتولين في سبيل الله قال تعالى ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون ثم إن تدبير هذه اللطيفة هذا البدن لبقاء الصحبة لما اقتنته من المعارف والعلوم بصحبة هذا الهيكل ولا سيما أهل الهياكل المنورة وهنا ينقسم أهل الله إلى قسمين قسم يقول بالتجريد عند مفارقة هذا البدن فإنها تكتسب من خلقها وعلومها ومعارفها أحوالا وهيأت يعلمون بها في عالم التجريد من أخواتها فتطلب درجة الكمال وهذا الصنف وإن كان من أهل الله فليس من أهل الكشف بل الفكر عليه غالب والنظر العقلي عليه حاكم والقسم الآخر من أهل الله وهم أهل الحق لا يبالون بالمفارقة متى كانت لأنهم في مزيد علم أبدا دائما وإنهم ملوك أهل تدبير لمواد طبيعية أو عنصرية دنيا وبرزخا وآخرة وهم المؤمنون القائلون بحشر الأجساد وهؤلاء لهم الكشف الصحيح فإن اللطيفة الإلهية لم تظهر إلا عن تدبير وتفصيل وهيكل مدبر هو أصل وجودها مدبرة فلا تنفك عن هذه الحقيقة ومن تحقق ما يرى نفسه عليه في حال النوم في الرؤيا يعرف ما قلناه فإن الله ضرب ما يراه النائم في نومه مثلا وضرب اليقظة من ذلك النوم مثلا آخر للحشر والأول ما يؤول إليه الميت بعد مفارقة عالم الدنيا ولكن أكثر الناس لا يعلمون يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون فنحن في ارتقاء دائم ومزيد علم دنيا وبرزخا وآخرة والآلات مصاحبة لا تنفك في هذه المنازل والمواطن والحالات عن هذه اللطيفة الإنسانية ثم إن الشقاء لهذه اللطيفة أمر عارض يعرض لها كما يعرض المرض في الدنيا لها لفساد هذه الأخلاط بزيادة أو نقص فإذا زيد في الناقص أو نقص من الزائد وحصل الاعتدال زال المرض وظهرت الصحة كذلك ما يطرأ عليها في الآخرة من الشقاء ثم المال إلى السعادة وهي استقامة النشأة في أي دار كان من جنة أو نار إذ قد ثبت أنه لكل واحد من الدارين ملؤها فالله يجعلنا ممن حفظت عليه صحة مزاج معارفه وعلومه فهذا طرف من حقيقة مسمى اللطيفة الإنسانية بل كل موجود من الأجسام له لطيفة روحانية إلهية تنظر إليه من حيث صورته لا بد من ذلك وفساد الصورة والهيئة موت حيث كان وأما اصطلاحهم اللطيفة على المعنى الآخر الذي هو كل إشارة تلوح في الفهم لا تسعها العبارة فاعلم إن أهل الله قد جعلوا الإشارة نداء على رأس البعد وبوحا بعين العلة ولكن في التقسيم في الإشارات يظهر فرقان وذلك أن الإشارة التي هي نداء على رأس البعد فهو حمل ما لا تبلغه العبارة كما إن الإشارة للذي لا يبلغه الصوت لبعد المسافة وهو ذو بصر فيشار إليه بما يراد منه فيفهم فهذا معنى قولهم نداء على رأس البعد فكل ما لا تسعه عبارة من العلوم فهو بمنزلة من لم يبلغه الصوت فهو بعيد عن المشير وليس ببعيد عما يراد منه فإن الإشارة قد أفهمته ما يفهمه الكلام أو يبلغه الصوت وقد علمت قطعا أن المشير إذا كان الحق فإنه بعيد عن الحد الذي يتميز به العبد فهذا بعد حقيقي لا بد منه ولا يكون الأمر إلا هكذا فلا بد من الإشارة وهي اللطيفة فإنه معنى لطيف لا يشعر به ثم إنه وإن لم يكن بعد فهو بوح بعين العلة وذلك أن الأصم يكون قريبا من المتكلم ولكن قربه لا تقع به الفائدة لأنه لا يصل إليه الصوت لعلة الصمم فيشير إليه مع القرب كما يقول الحق على لسان عبده سمع الله لمن حمده فهذا غاية القرب مع وجود العلة وظهورها وأكثر من هذا القرب ما يكون فإنه هو مع قوله قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ففرق وفصل وأين هذا ممن جعل قوله قوله وأنه المتكلم والقائل لا هو فهذا قرب معلول فهو قولهم وبوح بعين العلة ولهذا سميت لطيفة لأنها أدرجت الرب في العبد فقال تعالى فأجره حتى يسمع كلام الله وكان المتكلم محمدا صلى الله
504
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 504