نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 463
فيجنح إلى طلب البرودة ليسكن بها ما يجده من ألم الحرارة ويحيي بها نفسه ويبس القبض الذي هو عليه يطلب الرطوبة فنظر الاسم الرزاق في غذاء يحيا به يكون باردا ليقابل به الحرارة وسلطانها ويكون رطبا فيقابل به سلطان اليبس فوجد الماء باردا رطبا فجعل منه كل شئ حي في كل صنف صنف بما يليق به قال تعالى وجعلنا من الماء كل شئ حي أفلا يؤمنون أي يصدقون بذلك وإنما قرن به الايمان لجواز خلافه عقلا الذي هو ضد الواقع من أنه لو غلب عليه خلاف ما غلب عليه أهلكه فلا بد أن تكون حياته في نقيض ما غلب عليه ألا ترى لو غلب عليه البرد والرطوبة هلك ولم يكن له حياة إلا الحرارة واليبس فكان يقال في تلك الحال وجعلنا من النار كل شئ حي ولو غلب عليه البرد واليبس لكانت حياته بالهواء فيقال في تلك الحال وجعلنا من الهواء كل شئ حي ولو أفرطت فيه الحرارة والرطوبة لكانت حياته بالتراب وكان يقال لتلك الحالة وجعلنا من التراب كل شئ ثم هذا ما يحتمله التقسيم في هذا لو كان فلما كان الواقع في العالم غلبة الحرارة واليبوسة عليه لما ذكرناه من سبب الصورة والقبض ثار عليه سلطان الحرارة واليبس فلم تكن له حياة إلا ببارد رطب فكان الماء فقال وجعلنا من الماء كل شئ حي أفلا يؤمنون وينظرون في قولنا من الماء فيعلمون طبع الماء وأثره وفيمن يؤثر وما ذا يدفع به فيعلم إن العالم موصوف بنقيض ما يقتضيه الماء فيحكم عليه به فيعلم الناظر من طبع الدواء ما يقابل به طبع المرض الذي نزل بهذا المريض فنفس الرحمن عنه ما كان يجده هذا المريض فهذا من النفس الرحماني فالأرزاق كلها عند المحقق أدوية لأن العالم كله يخاف التلف على نفسه لأن عينه ظهر عن عدم وقد تعشق بالوجود فإذا قام به من يمكن عنده إذا غلب عليه إن يلحقه بالعدم سارع إلى طلب ما يكون به بقاؤه وإزالة حكم مرضه أو توقع مرضه فذلك رزقه الذي يحيا به ودواؤه الذي فيه شفاؤه أي نوع كان في الشخصيات وكل ما يقبل النمو فهو نبات والذي ينمو به هو رزقه ثم إن الرزق على نوعين في الميزان الموضوع في العالم لإقامة العدل وهو الشرع النوع الواحد يسمى حراما والنوع الآخر يسمى حلالا وهو بقية الله التي جاء نصها في القرآن قال تعالى بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين فهذه هي التي بقيت للمؤمنين من قوله خلق لكم ما في الأرض جميعا والايمان لا يقع إلا بالشرع وجاء هذا القول في قصة شعيب صاحب الميزان والمكيال فهذا علم مستفاد من الإعلام الإلهي والرزاق هو الذي بيده هذا المفتاح فرزق الله عند بعض العلماء جميع ما يقع به التغذي من حلال وحرام فإن الله يقول وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها وهو ظاهر لا نص وقال فذروها تأكل في أرض الله والله يرزق من يشاء بغير حساب وقد نهانا عن التغذي بالحرام فلو كان رزق الله في الحرام ما نهانا عنه فاذن ما هو الحرام رزق الله وإنما هو رزق ورزق الله هو الحلال وهو بقية الله التي أبقاها لنا بعد وقوع التحجير وتحريم بعض الأرزاق علينا ولتعلم من جهة الحقيقة أن الخطاب ليس متعلقة إلا فعل المكلف لا عين الشئ الممنوع التصرف فيه فالكل رزق الله والمتناول هو المحجور عليه لا المتناول بفتح الواو فإن الرزاق لا يعطيك إلا رزقك وما يعطي الرزاق لا يطعن فيه فلهذا علق الذم بفعل المكلف لا بالعين التي حجر عليه تناولها فإن المالك لها لم يحجر عليه تناولها والحرام لا يملك وهذه مسألة طال الخبط فيها بين علماء الرسوم وأما قوله فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا من العامل في الحال فظاهر الشرع يعطي أن العامل رزقكم فإن من هنا في قوله مما رزقكم الله للتبيين لا للتبعيض فإنه لا فائدة للتبعيض فإن التبعيض محقق مدرك ببديهة العقل لأنه ليس في الوسع العادي أكل الرزق كله وإذا كانت للتبيين وهي متعلقة بكلوا فبين إن رزق الله هو الحلال الطيب فإن أكل ما حرم عليه فما أكل رزق الله فتدبر وانظر ما به حياتك فذلك رزقك ولا بد ولا يصح فيه تحجير وسواء كان في ملك الغير أو لم يكن وهذه إشارة في تلخيص المسألة وهي التي يطلبها الاسم الرزاق فإن المضطر لا حجر عليه وما عدا المضطر فما تناول الرزق لبقاء الحياة عليه وإنما تناوله للنعيم به وليس الرزق إلا ما تبقي به حياته عليه فقد نبهت خاطرك إلى فيصل لا يمكن رده من أحد من علماء الشريعة فإن الله يقول فمن اضطر غير باع ولا عاد بعد التحجير وقال إلا ما اضطررتم إليه وذلك هو الرزق الذي نحن بصدده وهو الذي يعطيه الرزاق جعلنا الله من المرزوقين الذين لا يكونون أرزاقا فإن الله أنبتنا من الأرض
463
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 463