نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 446
أعني الإنسان سريع التغيير في باطنه كثير الخواطر يتقلب في باطنه في كل لحظة تقلبات مختلفة لأنه على الصورة الإلهية وهو سبحانه كل يوم في شأن فمن المحال ثبوت العالم زمانين على حالة واحدة بل يتغير عليه الأحوال والأعراض في كل زمان فرد وهو الشؤون التي هو الحق فيها لمن علم ما قال الله ولا يظهر سلطان ذلك إلا في باطن الإنسان فلا يزال يتقلب في كل نفس في صور تسمى الخواطر لو ظهرت إلى الأبصار لرأيت عجبا وأسرع الحركات الفلكية حركة هذا الفلك بكوكبه الذي هو القمر فهو أسرع سير في قطع فلك المنازل من غيره من السيارة وله في كل يوم منزلة فيقطع الفلك في ثمانية وعشرين يوما فكان ظهور الأثر في الكون سريعا لسرعة الحركة فناسب آدم في سرعة خواطره فأسكنه هذه السماء وجعل نسم بنيه عن يمينه ويساره أسودة يرى شخوصها أهل الكشف وعن يمينه عليون وعن يساره السفل فلا يخفى عنه من أحوال بنيه شئ واعلم أن هذه الحقيقة التي جعلته يسمى إنسانا مفردا هي في كل إنسان ولكن كانت في آدم أتم لأنه كان ولا مثل له ثم بعد ذلك انتشأت منه الأمثال فخرجت على صورته كما انتشأ هو من العالم ومن الأسماء الإلهية فخرج على صورة العالم وصورة الحق فوقع الاشتراك بين الأناسي في أشياء وانفرد كل شخص بأمر يمتاز به عن غيره كما هو العالم فبما ينفرد به الإنسان يسمى الإنسان المفرد وبما يشترك به يسمى الإنسان الكبير ولما كان آدم أبا البشر كانت منه رقيقة إلى كل إنسان ونسبة ولما كان هو من العالم ومن الحق بمنزلة بنيه منه كانت فيه رقيقة من كل صورة في العالم تمتد إليه لتحفظ عليه صورته ورقيقة من كل اسم إلهي تمتد إليه لتحفظ عليه مرتبته وخلافته فهو يتنوع في حالاته تنوع الأسماء الإلهية ويتقلب في أكوانه تقلب العالم كله وهو صغير الحجم لطيف الجرم سريع الحركة فإذا تحرك حرك جميع العالم واستدعى بتلك الحركة توجه الأسماء الإلهية عليه لترى ما أراد بتلك الحركة فتفضي في ذلك بحسب حقائقها ولم يكن في الأفلاك أصغر من فلك سماء الدنيا فأسكنه الله فيها للمناسبة ولصغر هذا الفلك كان أسرع دورة فناسب سرعة الخواطر التي في الإنسان فأسكنه فيه من حيث إنه إنسان مفرد خاصة لا من حيث اشتراكه ثم إنه جعل الله له من بنيه في كل سماء شخصا وهو عيسى ويوسف وإدريس وهارون ويحيى وموسى وإبراهيم عليهم السلام فهو ناطر إليهم في كل يوم بما هو أب لهم وهم ناظرون إليه من حيث ما هم في منازل معينة لا من حيث هم أبناء له وهذا الإنسان المفرد يقابل بذاته الحضرة الإلهية وقد خلقه الله من حيث شكله وأعضاؤه على جهات ستة ظهرت فيه فهو في العالم كالنقطة من المحيط وهو من الحق كالباطن ومن العالم كالظاهر ومن القصد كالأول ومن النش ء كالآخر فهو أول بالقصد آخر بالنشء وظاهر بالصورة وباطن بالروح كما أنه خلقه الله من حيث طبيعته وصورة جسمه من أربع فله التربيع من طبيعته إذ كان مجموع الأربعة الأركان وأنشأ جسده ذا أبعاد ثلاثة من طول وعرض وعمق فأشبه الحضرة الإلهية ذاتا وصفات وأفعالا فهذه ثلاث مراتب مرتبة شكله وهو عين جهاته ومرتبة طبيعته ومرتبة جسمه ثم إن الله جعل له مثلا وضدا وما ثم سوى هذه الخمسة واختص بالخمسة لأنه ليس في الأعداد من له الاسم الحفيظ إلا هي وهي تحفظ نفسها وغيرها بذاتها وهو قوله تعالى ولا يؤده حفظهما فثنى وهو قولنا تحفظ نفسها وغيرها فأما كونه ضدا فبما هو عاجز جاهل قاصر ميت أعمى أخرس ذو صمم فقير ذليل عدم وبما هو مثل ظهوره بجميع الأسماء الإلهية والكونية فهو مثل للعالم ومثل للحضرة فجمع بين المثليتين وليس ذلك لغيره من المخلوقين فهو حي عالم مريد قادر سميع بصير متكلم عزيز غني إلى جميع الأسماء الإلهية كلها والأسماء الكونية فله التخلق بالأسماء فله حالات خمس يقابل بها كل ما سواه بحسب ما ينظرون إليه إذ هو الكلمة الجامعة وأعطاه الله من القوة بحيث إنه ينظر في النظرة الواحدة إلى الحضرتين فيتلقى من الحق ويلقي إلى الخلق فمنهم الناظر إليه من حيث شكله فيمده من ذلك المقام بأمور خاصة تختص بالشكل ومنهم الناظر إليه من حيث طبيعته فيمده من ذلك المقام بأمور خاصة تختص بالطبع كما يمده الحق في شكله من اسمه المحيط وفي طبيعته من حياته وعلمه وإرادته وقدرته ومنهم من ينظر إليه من حيث جسمه فيمده من ذلك المقام بأمور خاصة تختص بالجسم كما يمده الحق من حضرته بما يظهر في ذاته وصفاته وأفعاله ومنهم الناظر إليه كفا حالا منازعة فيمده من ذلك المقام بأمور خاصة تختص بالمكافحة كما يمده الحق من اسمه البعيد والمعز إن كان ذليلا والمذل إن كان
446
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 446