نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 277
علامة على حصول النجاة فغفل أكثر الناس عن هذه الآية وقضوا على المؤمن بالشقاء وأما قوله فأوردهم النار فما فيه نص أنه يدخلها معهم بل قال الله أدخلوا آل فرعون ولم يقل أدخلوا فرعون وآله ورحمة الله أوسع من حيث أن لا يقبل إيمان المضطر وأي اضطرار أعظم من اضطرار فرعون في حال الغرق والله يقول أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء فقرن للمضطر إذا دعاه الإجابة وكشف السوء عنه وهذا آمن لله خالصا وما دعاه في البقاء في الحياة الدنيا خوفا من العوارض أو يحال بينه وبين هذا الإخلاص الذي جاءه في هذه الحال فرجح جانب لقاء الله على البقاء بالتلفظ بالإيمان وجعل ذلك الغرق نكال الآخرة والأولى فلم يكن عذابه أكثر من غم الماء الأجاج وقبضه على أحسن صفة هذا ما يعطي ظاهر اللفظ وهذا معنى قوله إن في ذلك لعبرة لمن يخشى يعني في أخذه نكال الآخرة والأولى وقدم ذكر الآخرة وأخر الأولى ليعلم أن ذلك العذاب أعني عذاب الغرق هو نكال الآخرة فلذلك قدمها في الذكر على الأولى وهذا هو الفضل العظيم فانظر يا ولي ما أثرت مخاطبة اللين وكيف أثمرت هذه الثمرة فعليك أيها التابع باللين في الأمور فإن النفوس الآبية تنقاد بالاستمالة ثم أمره بالرفق بصاحبه صاحب النظر وكان سبب هذا الأمر من هارون لأنه حصل له هذا ذوقا من نفسه حين أخذ موسى برأسه يجره إليه فأذاقه الذل بأخذ اللحية والناصية فناداه بأشفق الأبوين فقال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ولا تشمت بي الأعداء لما ظهر عليه أخوه موسى بصفة القهر فلما كان لهارون ذلة الخلق ذوقا مع براءته مما أذل فيه تضاعفت المذلة عنده فناداه بالرحم فهذا سبب وصيته لهذا التابع ولو لم يلق موسى الألواح ما أخذ برأس أخيه فإن في نسختها الهدى والرحمة تذكرة لموسى فكان يرحم أخاه بالرحمة وتتبين مسألته مع قومه بالهدى فلما سكت عنه الغضب أخذ الألواح فما وقعت عينه مما كتب فيها الأعلى الهدى والرحمة فقال رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين ثم أمره أن يجعل ما تقتضيه سماؤه من سفك الدماء في القرابين والأضاحي ليلحق الحيوان بدرجة الأناسي إذ كان لها الكمال في الأمانة ثم خرج من عنده بخلعة نزيله وأخذ بيد صاحبه وقد أفاده ما كان في قوته من المعارف بما يقتضيه حكمه في الدور لا غير وانصرفا يطلبان السماء السادسة فتلقاه موسى ع ومعه وزيره البرجيس فلم يعرف صاحب النظر موسى ع فأخذه البرجيس فأنزله ونزل التابع عند موسى فأفاده اثني عشر ألف علم من العلم الإلهي سوى ما أفاده من علوم الدور والكور وأعلمه أن التجلي الإلهي إنما يقع في صور الاعتقادات وفي الحاجات فتحفظ ثم ذكر له طلبه النار لأهله فما تجلى له إلا فيها إذ كانت عين حاجته فلا يرى إلا في الافتقار وكل طالب فهو فقير إلى مطلوبه ضرورة وأعلمه في هذه السماء خلع الصور من الجوهر وإلباسه صورا غيرها ليعلمه أن الأعيان أعيان الصور لا تنقلب فإنه يؤدي إلى انقلاب الحقائق وإنما الإدراكات تتعلق بالمدركات تلك المدركات لها صحيحة لا شك فيها فيتخيل من لا علم له بالحقائق أن الأعيان انقلبت وما انقلبت ومن هنا يعلم تجلى الحق في القيامة في صورة يتعوذ أهل الموقف منها وينزهون الحق عنها ويستعيذون بالله منها وهو الحق ما هو غيره وذلك في أبصارهم فإن الحق منزه عن قيام التغيير به والتبديل قال عليم الأسود لرجل وقف فضرب بيده عليم إلى أسطوانة في الحرم فرآها الرجل ذهبا ثم قال له يا هذا إن الأعيان لا تنقلب ولكن هكذا تراه لحقيقتك بربك يشير إلى تجلى الحق يوم القيامة وتحوله في عين الرائي ومن هذه السماء يعلم العلم الغريب الذي لا يعلمه قليل من الناس فأحرى أن لا يعلمه الكثير وهو معنى قوله تعالى لموسى ع وما علم أحد ما أراد الله إلا موسى ومن اختصه الله وما تلك بيمينك يا موسى فقال هي عصاي والسؤال عن الضروريات ما يكون من العالم بذلك إلا لمعنى غامض ثم قال في تحقيق كونها عصا أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى كل ذلك من كونها عصا أرأيتم أنه أعلم الحق تعالى بما ليس معلوما عند الحق وهذا جواب علم ضروري عن سؤال عن معلوم مدرك بالضرورة فقال له ألقها يعني عن يدك مع تحققك إنها عصا فألقاها موسى فإذا هي يعني تلك العصا حية تسعى فلما خلع الله على العصا أعني جوهرها صورة الحية استلزمها حكم الحية وهو السعي حتى يتبين لموسى ع بسعيها إنها حية ولولا خوفه منها خوف الإنسان من الحيات لقلنا إن الله أوجد في العصا الحياة فصارت حية من الحياة فسعت لحياتها على بطنها إذ لم
277
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 277