نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 245
الكون وهذا الذي ظهرت منه صفة الكبرياء مطبوع على قلبه إن يدخل فيه الكبرياء على الله فإنه يعلم من نفسه افتقاره وحاجته وقيام الآلام به من ألم جوع وعطش وهواء ومرض التي لا تخلو هذه النشأة الحيوانية عنه في هذه الدار وتعذر بعض الأغراض أن تنال مرادها وتألمه لذلك ومن هذه صفته من المحال أن يتكبر في نفسه على ربه فهذا معنى الطابع الذي طبع الله على قلب المتكبر الذي يظهر لكم به من الدعوى الجبار يجبركم على ما يريد فمنكم المطيع والمخالف ولو هلك بمخالفته ولهذا يرجى حكم السعادة في المال ولو بعد حين فإن القلوب ما يدخلها كبرياء على الله لكن يدخلها بعضهم على بعض قال تعالى لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس وإذا علمت السماء أنها أكبر من خلق الناس كانت موصوفة بالكبرياء على الناس وذلك الكبرياء لا يقدح فيها فهذا معنى الغيرة الإلهية فلا رافع لما حجره فلا يتكبر على الله فيما بينه وبين الله أحد من خلق الله هذا محال وقوعه والقدر الذي وقع عليه التحجير الظاهر عليه وقع الذم لمن انتهكه وأضافه إلى نفسه وكذبوا على الله فيه وأما الغيرة لله ومن أجل الله وبالله فهو أن يرى الإنسان ما حده الحق أن يتعداه الخلق فيقوم به صفة الغيرة لله لا لنفسه ومن أجل الله لا من أجل نفسه إذ علم أن الخلق عبيد الله وأنه من حكم العبد أن لا يتعدى حد ما رسم له سيده وأما أن يغار على الله فإن الغيرة ستر يحجب المغار عليه حتى لا يكون إلا عنده خاصة وطريق الله مبني على أن ندعو الخلق إلى الله وأن نردهم إليه ونحببه إليهم ونعرفهم به وبمكانته وبهذا أمرنا والغيرة الكونية تأبى ذلك كله لجهلها بالمغار عليه الذي لا يستحق الغيرة عليه ولولا الوقوع فيمن انتمى إلى الله وجهل بعض ما ينبغي لله وقصد بذلك الخير ولكن ما علم طريقه وإلا كنا نذكر جهل هذا القائل بالغيرة على الله ولكن يكفي تنبيهنا على أن هذا ليس بصحيح وإنما التبس على مثل هؤلاء الغيرة لله بالغيرة على الله وما علموا ما بينهما من الفرقان ذكر في باب الغيرة القشيري في رسالته عن بعضهم أنه قيل له متى تستريح قال إذا لم أر له ذاكرا وليس هذا بغيرة فالقشيري أخطأ حيث جعل مثل هذا في باب الغيرة من كتابه وتخيل أن الشبلي في حال رؤية الذاكرين الله على الغفلة وبعدم الحرمة مثل من يذكره بلغو الايمان والايمان الفاجرة وذكر الله في طلب المعاش في الأسواق فغار أن يذكر بهذه الصفة لما لم يوف المذكور حقه من الحرمة عند الذكر والشبلي ما يبعد أن يكون هذا قصده بذلك القول في بدء أمره وفي وقت حجابه عن معرفة ربه وأما مع المعرفة فلا يكون هذا يعني قوله إذا لم أر له ذاكرا وإن معنى ذلك عندنا في حق كبراء العارفين أن الذكر لا يكون مع المشاهدة فلا بد للذاكر أن يكون محجوبا وإن كان الله جليس الذاكر ولكنه من وراء حجاب الذكر وكل من هو خلف حجاب من مطلوبه فإنه لا راحة عنده فإذا رفع الحجاب وقعت المشاهدة وزال الذكر بتجلي المذكور فلذلك قال إنما أستريح إذا لم أر له ذاكرا فطلب إن تكون مشاهدته تمنعه عن إدراك الذاكرين أو تمنى للذاكرين أن يكونوا في مقام الشهود الذي يمنعهم من الذكر إذ المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه على هذا يخرج قول هذا الرجل إن كان من العارفين وعلى ذوق آخر وهو أنه لا يستريح إلا إذا رأى أن الذكر هو الله لا الكون إذا كان الحق لسانه كما هو سمعه وبصره ويده فيستريح لأنه رأى أنه قد ذكره من يعلم كيف يذكره إذ كان هو الذاكر نفسه بلسان عبده فاستراح عند ذلك فلم ير له ذاكرا غيره وأما غيرة الرسول وأكابر الأولياء فغيرتهم لله كما قلنا وهي غيرة أدب والغيرة كتمان ما ينبغي أن يكتم لعدم احترامه لو ظهر عند من لا يقدر قدره كما قال تعالى وما قدروا الله حق قدره فمن الغيرة ستر مثل هذا ومن الغيرة الإلهية ستره لضنائنه من أهل الخصوص في كنف صونه فلا يعرفون وذلك رحمة بالخلق فإنه تعالى لو أبدى مكانتهم ورتبتهم العلية لمن علم منه أنه لا بد أن يجري الأذى على يديه في حق هذا المقرب المجتبى ثم جرى منه ذلك الأذى في حقه لكان عدم احترام للجناب الإلهي حيث لم يعظم ما عظمه الله فسترهم عن العلم بهم فما احترموهم وآذوهم لجهلهم بهم وذلك لما قدره الله ولهذا تسأل هذا الذي آذى ذلك العبد المقرب من نبي أو صديق فتقول له من غير تعيين ما عندك في أولياء الله فيجد عنده من الحرمة لهم والتبرك بذكرهم والخضوع تحت أقدامهم لو وجدهم فإذا قلت له هذا منهم وهو منهم لم يقم عنده تصديق بذلك ولو جئته بأمر معجز وكل آية ما قدر يعتقد أن ذلك آية ولا أعطته علما فما آذى إلا من جهل لا من علم ومما
245
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 245