نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 197
الزور مالوا إلى جانب العدم ورجحوه على الوجود ووصفوا بالكون ما ليس بكائن وجعله الله على لسان رسوله من الكبائر لأنه ما مدلول قولهم إلا العدم ومع هذا كله إن استطاع من هو من أهل طريق الله التعريض لا التصريح حتى يفهم عنه ما يريد إذا علم إن في ذلك منفعة دينية فليفعل فهو أولى ويحصل الغرض ويكون اللسان قد وفى ما تعين عليه من غير فحش في المنطق وهذا كله ما دام يسمى مؤمنا وأما إن كان هذا الشخص في مقام من كان الحق سمعه وبصره ولسانه فحاله غير حال المؤمن مع أنه من أهل الايمان واعلم أن الله تعالى ما خلق داء إلا وخلق له دواء والأدوية على نوعين دواء العامة وهو الذي يقدر عليه كل أحد والدواء الآخر دواء ملكي وهو الذي لا يقدر عليه إلا الملوك والأغنياء لنفاسته وغلو ثمنه فلا يقدر عليه إلا المتمكن من المال والسلطان وهكذا قسم الأدوية أهل الطب وصادفوا الحق في ذلك فأما الدواء العام النافع الداخل تحت قدرة كل أحد من غني وفقير وسوقة وملوك من داء جميع الذنوب والمعاصي فهو التوبة وإرضاء الخصوم من شروطها مما يقدر عليه من ذلك وعينه عليه الشارع إذا كان ذلك الداء مما ينبغي أن يرضى فيه الخصوم وإذا كان مما لا ينبغي فيتوب ولا يرضى خصمه فإنه إن أرضاه قد يقع في محظور أشد مما كان قد تاب عنه فلا يغفل عنه وأما الدواء الملكي فلا يستعمله إلا العارفون السادة من رجال الله وهم الذين يكون الحق سمعهم وبصرهم ولسانهم وهو قوله عقيب قوله ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه هذا خطاب عام ثم قال واتقوا الله هذا هو الدواء ومعناه اتخذوه وقاية بينكم وبين هذه الأمور المذمومة التي الغيبة منها فإذا اتخذتموه جنة تعاورت هذه الجنة سهام هذه الأفعال وهي قوية لا تنفذها هذه السهام فيكون المتقي بها في حمايتها ولا يكون الحق وقاية للعبد حتى يتلبس به العبد كما يتلبس المتوقى بالجنن من الدرع الحصينة وغيرها وصورة تلبسه أن يكون الحق سمعه ولسانه وجميع قواه وجوارحه في حال تصرفها فيما هي له فيكون نورا كله فنبه الله في كتابه على هذه الأدواء الملكية السلطانية مثل قوله تعالى فألهمها فجورها والغيبة من الفجور وتقواها أي الذي يتخذه وقاية من هذا الفجور ولم يجعل الفجور من أوصافها وإنما جعله مجعولا فيها من الملهم لها كما أيد هذا بقوله أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فما جعل التزيين له بل قال زينا لهم أعمالهم وقال زين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل ولما أضاف التزيين إليه سبحانه قال فهم يعمهون أي يحارون والحيرة من صفات الأكابر وصفة الحيرة في مثل هذا أنه الأمر في إيجاده للملهم المزين والمجعول فيه الملهم والمزين له مأمور باجتنابه وهو الاتصاف بما ألهم له وما زين من قبل أن يظهر بالفعل فهو مذموم غير مؤاخذيه حتى يتلبس به في الظاهر ثم قال في أمور من هذا الباب إنه رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه وهو البعيد من الرحمة فاجتنبوه أي وكونوا مع الاسم القريب من الرحمة ومن أسمائه سبحانه البعيد فمن اتخذ الحمق جنة ووقاية كما أمر لم تضره هذه الأشياء فإن الله تعالى ما نبهه على استعمال هذه الأدواء إلا لإقامة العذر منه إذا سئل عن مثل هذا والمؤمن غيب خلف جنته فهو في حمى فلا يخرج عن حماه والفاسق الذي لا غيبة فيه ليس بغائب خلف جنته بل هو خارج عنها لأن الفسوق الخروج فقال لا غيبة في فاسق فمن أخرج غيبا يستحق أن يكون غيبا إلى شهادة فقد أخطأ ولهذا أضاف الغيبة إلينا فقال ولا يغتب بعضكم بعضا فجعلنا نشأة واحدة ذات أبعاض فإن الجزء والتفصيل إنما يرد على الكل فما خرجنا عنا ولا وقعنا إلا فينا فشدد الأمر علينا في ذلك فإن القاتل نفسه حرمت عليه الجنة وهي الساترة فإن الشئ لا يستتر عن نفسه وكل من ذكر غائبا فقد صيره شهادة وغربه عن موطنه وموت الغريب شهادة فالمغتاب فاعل خير في حق من اغتابه وإن كان يكره ذلك ففيه منفعة كشارب الدواء الكرة وعسى إن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وإذا كان فاعل خير من غير قصد فهو ممن أجرى الله الخير لزيد على يديه فيكون جزاؤه جزاء من وفق لعمل خير من غير قصد في حق من اغتابه لكن ذلك مقصود لمن ألهمه إياه وسماه فجورا في حقه فيصلح الله يوم القيامة بين عباده لما يراه المظلوم من الخير الواصل إليه على يدي أخيه فيشكره على ذلك فيسعدان جميعا وفي الخبر الصحيح فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن الله يصلح بين عباده يوم القيامة فالغيبة وإن كانت مذمومة فهي من ذلك الوجه محمودة في حق من اغتيب فمال ذلك إلى الخير إذ كانت الجنة والوقاية الحائلة بينهما
197
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 197