نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 178
صاحب الذوق لا بد أن يرى لتركه طلب الدنيا والرغبة فيها أثرا إلهيا في قلبه فلو لم يكن للأمر وجود عند الله واعتبار ما صح أن يكون له أثر في التجلي الإلهي لصاحب هذا الحال وهو الصحيح فلنقل إن للزهد الذي ذكرناه مقاما وحالا فمقامه الإلهي مطلق وهو زهده في كل اسم إلهي يحول بينه وبين عبوديته والرباني مقيد بصفة التنزيه عن حكم هذا الاسم عليه والرحماني هو صرفه على ما يستحقه أعني هذا المزهود فيه فأما في الملك من كونه مسلما فالزهد في الأكوان وهو الحجاب الأبعد الأقصى وأما في الجبروت من كونه مؤمنا فالزهد في نفسه وهو الحجاب الأدنى الأقرب وأما في الملكوت من كونه محسنا فالزهد في كل ما سوى الله وهنا يرتفع الحجاب عند الطائفة قال أبو يزيد الأكبر ليس الزهد عندي بمقام إني كنت زاهدا ثلاثة أيام أول يوم زهدت في الدنيا واليوم الثاني زهدت في الآخرة واليوم الثالث زهدت في كل ما سوى الله فناداني الحق ما ذا تريد فقلت أريد أن لا أريد لأني أنا المراد وأنت المريد وقد انتقد عليه هذا القول بعض أهل الطريق وجهل مقام أبي يزيد في ذلك وقد تكلمنا على قصده بهذا القول وبينا فساد هذا القول أعني قول المعترض عليه في غير هذا الموضع وهو من المقامات المستصحبة للعبد ما لم ينكشف له فإذا كشف الغطاء عن عين قلبه لم يزهد ولا ينبغي له أن يزهد فإن العبد لا يزهد فيما خلق له ولا يكون زاهدا إلا من يزهد فيما خلق من أجله وهذا لا يصح كونه فالزهد من القائل به جهل في عين الحقيقة لأنه ما ليس لي لا اتصف بالزهد فيه وما هو لي لا يمكنني الانفكاك عنه فأين الزهد فلنقل صاحب هذا الحكم هذا هو الزهد الذي يستحق هذا الاسم ولنا في هذا المقام الزهدي نظم العيب منك وأنت لا تدري * فالزهد مثل صلاتي الوتر وسراج نفسك نوره متعلق * بجميع ما في الكون من أمر فأطف السراج يزول كل تعلق * فالزهد فيك كليلة القدر هي من غروب الشمس حتى تنتهي * بالحكم فيك كمطلع الفجر يقول لو رأيت الحق لم تزهد فإن الله ما زهد في الخلق وما ثم تخلق إلا بالله فبمن تتخلق في الزهد انظر إلى هذا المعنى فإنه دقيق جدا الزهد ترك وترك الترك معلوم * بأنه مسك ما في الكف مقبوض الأرض قبضته وهو الغني * فأين الترك فهو محال فيك مفروض لا ينعم الحق بالنعما فأنت لها * وقد زهدت فهذا اللفظ تعريض فالزهد ليس له في العلم مرتبة * وتركه عند أهل الجمع مفروض اعلم أن ترك الترك إمساك والزهد ترك وترك الزهد ترك الترك فهو عين رجوعك إلى ما زهدت فيه لأن العلم الحق ردك إليه والحال يطلبه فما له حقيقة في باطن الأمر لكن له حكم ما في الظاهر فيصح هذا القدر منه وبقي هل يقع الإمساك الذي هو ترك الزهد عن رغبة في الممسوك أو لا عن رغبة فاختلفت أحوال الناس فيه فمن أمسك لا عن رغبة فهو زاهد أمين على إمساك حقوق الغير حتى يؤديها إلى أربابها في الأوقات المقدرة المقررة وقد يكون عن كشف وعلم صحيح بأعيان أصحابها وقد لا يكون غير أنه لا يتناول منها شيئا في حق نفسه إذ كان بهذه المثابة ومن أمسك عن رغبة في الممسوك وهم رجلان الواحد راجع عن مقام الزهد بلا شك لمرض قام به في نفسه فهذا ليس بشئ والرجل الآخر وهم الأنبياء والكمل من الأولياء فأمسكوا باطلاع عرفاني أنتج لهم أمرا عشقه بما في الإمساك من المعرفة والتحلي بالكمال لا عن بخل وضعف يقين أرسل الله على أيوب رجل جراد من ذهب فسقط عليه فأخذ يجمعه في ثوبه فأوحى الله إليه ألم أكن أغنيتك عن هذا فقال لا غنى لي عن خيرك فانظر ما أعطته معرفته وما زهد من زهد إلا لطلب الأكثر فزهد في الأقل قل متاع الدنيا قليل فأين الزهد فما تركوا الدنيا إلا حذرا أن يزرأهم في الآخرة فهذا عين الطمع والرغبة فيما يتخيل فيه أنه زهد وهذا هو مقام ترك الزهد وأما حاله فالزهد في الدنيا ولهذا لا يثبت
178
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 178