نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 176
النفوس ذلك لشرف العلم فيتخيل أنه يطلبه لله وهو يطلبه للدنيا أو لغير الله فيجتنب نية ذلك الطلب لا يجتنب العلم فإن طلب العلم ليس بمحرم عليه فمتعلق التحريم تلك النية الفاسدة وهنا نظر هل تقدح تلك النية في فضل طلب العلم أو يبقى طلب العلم على فضله يعطي حقيقة سعادته في الآخرة وتكون العقوبة على مجرد النية في ذلك وهو الذي نعتمد عليه في باب تحقيق الموازنة الإلهية فمن قال الكون كله شبهة وبه نقول فليس ذلك كما يتوهمه السامع وإنما الصورة الرحمانية أدتنا إلى هذا القول ومثل ذلك لا يتورع فيه ولا يجتنب فإنك لا تعرف منه إلا أنت فإن انتقلت عنك فقد جهلت ذاتك ومن أوجدك فإنه قال من عرف نفسه عرف ربه فالورع في هذه الشبهة محال بل ينبغي أن تتناول من حيث إنها شبهة فذلك محلها الذي يحلها فإنها لا تخلص لأحد الطرفين أبدا وهذا بحر هلك فيه أكثر العقول وأكثر العارفين إلا من رحم الله وركب سفينة نوح نجاته والجامع لباب الورع أن تجتنب في ظاهرك وباطنك وجميع أعمال أعضائك المكلفة كل عمل وترك لا يكون لله على الحد المشروع فيه المخلص له الذي لا شبهة تضره ولا تقدح فيه فهذا اللام الذي في لله هي الرابطة لهذا الباب وكل مقام في طريق الله تعالى فهو مكتسب ثابت وكل حال فهو موهوب غير مكتسب غير ثابت إنما هو مثل بارق برق فإذا برق إما يزول لنقيضه وإما أن تتوالى أمثاله فإن توالت أمثاله فصاحبه خاسر وكل مقام فأما إلهي أو رباني أو رحماني غير هذه الثلاث الحضرات لا يكون وهي تعم جميع الحضرات وعليها يدور الوجود وبها تنزلت الكتب وإليها ترتقي المعارج والمهيمن عليها ثلاثة أسماء إلهية الله والرب والرحمن من حكم اسم ما من الأسماء الإلهية ينعت به في ذلك الوقت أحد هذه الأسماء الثلاثة ويكون حكمه بحسب مقام هذا العبد المحكوم عليه المؤثر فيه من حيث ما هو مسلم أو مؤمن أو محسن وآثاره في عالم ملك العبد أو في عالم جبروته أو في عالم ملكوته وعمله فيه إما بحكم الإطلاق وهو العمل الذاتي وإما بحكم التقييد وهو عمل الصفة وحكمه بعمل الصفة إما بصفة تنزيه وسلب وإما بصفة فعل هذا هو الضابط للمقامات وأحوالها سواء عرفه السالك أو لم يعرفه فإنه لا يخلو من هذه الأحكام كل كون لكنه لا يعرف ذلك كل أحد فأقول إن الورع له مقام ولمقامه حال وهو مشروط كما ذكرنا وينتهي بانتهاء التكليف فأما مقام الورع فهو التقييد بصفة التنزيه لأن حقيقته الاجتناب وهو إلا هي وصاحبه مجهول لا يعرف وحاله أن يكون صاحب علامة في نفسه أو في المتورع فيه والاسم الله ينظر إليه دائما فينظر إليه في عالم ملكه من حيث ما هو مسلم فيؤثر في أفعاله وكلما ظهر على جوارحه فيجتنب كل ما يقدح في حصول هذا المقام وينظر إليه في عالم جبروته من حيث ما هو مؤمن فيؤثر فيه فلا تكذب له رؤيا جملة واحدة ويجتنب في خياله كما يجتنب في ظاهره لأن الخيال تابع للحس ولهذا إذا احتلم المريد برؤيا عاقبه شيخه ألا ترى أنه ما احتلم نبي قط ولا ينبغي له ذلك ولا العارفون بالله ذوقا فإن الاحتلام برؤيا في النوم أو في التصور في اليقظة فإنما هو من بقية طبيعية في خياله وهو كذب فإنه يظن أنه في الحس الظاهر وقد قلنا إن الورع يجتنب الكذب فلو اجتنبه في الحس لأثر في خياله فإذا رأيتم صاحب مقام الورع يغتسل من نوم فذلك لماء خرج منه وهو نائم لضعف الأعضاء الباطنة وهو مرض طرأ في مزاجه لا عن رؤيا أصلا لا في حلال ولا في حرام وأما إذا نظر إليه في عالم ملكوته فأثره فيه اجتناب التأويل فيما يرد عليه من المخاطبات الإلهية والتجلي الإلهي إذا كان كل ذلك في السور فلا يعبر ما رآه ولا يتأول ما خوطب به فإنه كله إلهي وكل إلهي مجهول كما أن الورعين مجهولون لأنه اجتناب وترك ولا يتميز الأمر من خارج إلا بالفعل فإن نطق الورع بما ينبغي أن يجتنب ذلك الأمر ولأجله اجتنبه فقد أخل بمقام الورع فإن مقامه أن يكون مجهولا وقد عرف بأنه ورع فزال عنه حكم مقامه بل ما كان قط في مقام الورع وورعه في اجتنابه معلول فلا يسلم له وأما الرباني والرحماني فعلى هذا المجرى سواء فخذه واعمل عليه ترى عجبا فقل أن تجده في غير هذا الكتاب فإن أكثر الناس بل ربما كلهم ما أبانوا عن هذه المقامات والأحوال بما يعطيه تفصيل الوجود وإن كانوا يعرفونها فإنهم اتكلوا في ذلك على أن السالك إذا دخل وصدق في التوجه أبينت له الأمور على ما هي عليه فيعرف حاله ( الباب الثاني والتسعون في معرفة مقام ترك الورع ) شفعية الإنسان تؤذن بالورع * والوتر فيها موجب ترك الورع
176
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 176