نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 380
الحسنى في ظهور آثارها فمنتهى علمه منتهى رحمته ثم أرجع وأقول وإن حصل في الطريق تعب فهو تعب في راحة كالأجير يحمل التعب أو يستلذه لما يكون في نفسه من راحة الأجرة التي لأجل حصولها عمل فيحجبه عن التعب وجود راحة الأجرة فإذا قبضها دخل في راحة النوم بالليل فركدت جوارحه عن الحركة فوجد الراحة فانتقل من راحة الأجرة إلى راحة النوم فعلى التحقيق أن صور العالم للحق من الاسم الباطن صور الرؤيا للنائم والتعبير فيها كون تلك الصور أحواله فليس غيره كما أن صور الرؤيا أحوال الرائي لا غيره فما رأى إلا نفسه فهذا هو قوله إنه ما خلق السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وهو عينه وهو قوله في حق العارفين ويعلمون أن الله هو الحق المبين أي الظاهر فهو الواحد الكثير فمن اعتبر الرؤيا يرى أمرا هائلا ويتبين له ما لا يدركه من غير هذا الوجه ولهذا كان رسول الله ص إذا أصبح في أصحابه سألهم هل رأى أحد منكم رؤيا لأنها نبوة فكان يحب أن يشهدها في أمته والناس اليوم في غاية الجهل بهذه المرتبة التي كان رسول الله ص يعتني بها ويسأل كل يوم عنها والجهلاء في هذا الزمان إذا سمعوا بأمر وقع في النوم لم يرفعوا به رأسا وقالوا بالمنامات يريد أن يحكم هذا خيال وما هي إلا رؤيا فيستهونوا بالرائي إذا اعتمد عليها وهذا كله لجهله بمقامها وجهله بأنه في يقظته وتصرفه في رؤيا وفي منامه في رؤيا في رؤيا فهو كمن يرى أنه استيقظ في نومه وهو في منامه وهو قوله ع الناس نيام فما أعجب الأخبار النبوية لقد أبانت عن الحقائق على ما هي عليه وعظمت ما استهونه العقل القاصر فإنه ما صدر إلا من عظيم وهو الحق فهذا معنى قولنا في التقسيم إنه قسم الانتقال وأما القسم الآخر من النوم فهو قسم الراحة وهو النوم الذي لا يرى فيه رؤيا فهو لمجرد الراحة البدنية لا غير فهذا هو حال الرؤيا وبقي معرفة المكان والمحل فأما المحل فهو هذه النشأة العنصرية لا يكون للرؤيا محل غيرها فليس للملك رؤيا وإنما ذلك للنشأة العنصرية الحيوانية خاصة ومحلها في العلم الإلهي الاستحالات في صور التجلي فكل ما نحن فيه رؤيا الحق في راحة ارتفاع الإعياء والتعب لا غير وأما المكان فهو ما تحت مقعر فلك القمر خاصة وفي الآخرة ما تحت مقعر فلك الكواكب الثابتة وذلك لأن النوم قد يكون في جهنم في أوقات ولا سيما في المؤمنين من أهل الكبائر وما فوق فلك الكواكب فلا نوم وأعني به هذا النوم الكائن المعروف في العرف وأما الذي ذهبنا إليه أولا في معرفة حال النوم فذلك أمر آخر قد بيناه وصورة مكانه هكذا فانظر إلى ما صورناه في الهامش وهو هذا هذا صورة مكان الرؤيا وهو يشبه بالقرن وهو الصور أعلاه واسع وأسفله ضيق مقلوب النش ء فإن الذي يلي الرأس منه هو الأعلى وهو الأوسع والذي هو الأضيق منه هو الأسفل وهو الذي بعد عن الأصل فذلك القرن مكان الرؤيا فإذا خرج عن هذا الصور خرج عن مكان الرؤيا المعلومة في العرف فلا يرى بعد هذا رؤيا لأنه لا تقوم به صفة نوم فهو في راحة الأبد وهذا القدر كاف فيما نرومه من التعريف بمقام الرؤيا والله يقول الحق وهو يهدي السبيل والذي سكتنا عنه عظيم لأن الفكر يعجز عن تصوره من أكثر الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون كما إن أكثر الناس لا يؤمنون وإلى العلم يرجع الفقه والعقل في قوله لا يفقهون ولا يعقلون انتهى الجزء السابع عشر ومائة ( أبواب الأحوال ) ( الباب التاسع والثمانون ومائة في السالك والسلوك ) إن السلوك هو الطريق الأقوم * فإذا استقمت فأنت فيه السالك اشتق من سلك اللآلي لفظه * فحسامه عضب المضارب باتك لا تمنعنك عن السلوك مضايق * من خلفهن أرائك ودرانك لا يسلكن لغاية ونهاية * طرق المحال بمثبتيها فاتك اعلم وفقك الله أن السلوك انتقال من منزل عبادة إلى منزل عبادة بالمعنى وانتقال بالصورة من عمل مشروع على طريق
380
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 380