وكل باحث في تاريخ الإسلام إذا كان منصفا يعرف أن الأصل في إدخال هذه الأمور في الدين ، ما كان إلا سياسة الحكام الذين قلبوا الإسلام ظهرا لبطن حتى قال أبو الدرداء : والله لا أعرف فيهم من أمر محمد صلى الله عليه وآله شيئا إلا أنهم يصلون جميعا [1] . وقال أنس : ما أعرف شيئا مما كان على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قيل : الصلاة قال : أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها [2] ؟ . ولكنهم منعوا بكلمتهم ( الصحابة كلهم عدول ) الأمة عن البحث والتنقيب حول ما شجر بين الأولين لما رأوا أن ذلك يؤدي إلى معرفتهم ما لا يحبون ، ويحتم عليهم النزول عن عروشهم الاستبدادية ، وينتهي إلى الحكم بعدم شرعية حكوماتهم ، وجعلوا هذا كبعض الأمور التعبدية ، الذي لا يجوز لأحد أن يسئل عنه لعدم اهتداء العقل إلى حقيقته ، فلا يجوز لأحد أن يتكلم في صحابي ، ولو كان بسرا ، والمغيرة بن شعبة ، وسمرة بن جندب ، والوليد ابن عقبة ، بل ولا في من رأى الصحابي ، ولو كان هو الحجاج أو مسلم بن عقبة . أما إذا كان ممن اعتلوا عرش الحكم واستبدوا بمقدرات الأمة ، فلا يجوز القدح في أعماله أصلا لأنه على الأمة إطاعة الولاة ، ولأنهم ( العياذ بالله ) صنائع الإسلام ، ومطبقوا مناهجه السياسية فلا يجوز لأحد أن يقف أمام مواقفهم السياسية حرا ، وينظر إليها بعين الفهم والعقل ، والمحاكمة الواعية .
[1] يراجع مسند أحمد : 6 / 443 . [2] يراجع صحيح البخاري كتاب مواقيت الصلاة باب تضييع الصلاة عن وقتها .