نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 347
الذين صبروا . والصبر بعد العمل هو الصبر على كتمه وترك التظاهر به والنظر إليه ليخلص من السمعة والعجب فيكمل ثوابه كما خلص من الرياء . كما قال الله تعالى : * ( أَطِيعُوا الله وأَطِيعُوا الرَّسُولَ ولا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) * [ محمد : 33 ] . وقال تعالى في مثله : * ( لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ والأَذى ) * [ البقرة : 264 ] . وقال بعض السلف لا يتمّ المعروف إلا بثلاث : تعجيله ، وتصغيره ، وكتمه . ومن الصبر حبس النفس عن المكافأة والصبر على الأذى توكلا على المولى عزّ وجلّ . ومنه قوله تعالى : * ( ولَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ) * [ إبراهيم : 12 ] وهذا صبر الخصوص ومنه قال بعض أهل المعرفة : لا يثبت للعبد مقام في التوكل حتى يؤذى ويصبر على الأذى . وقد ذكر الله تعالى ذلك في قوله عزّ وجلّ : * ( ودَعْ أَذاهُمْ وتَوَكَّلْ عَلَى الله ) * [ الأحزاب : 48 ] . وفي قوله تعالى : * ( فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا . واصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ ) * [ المزمل : 9 - 10 ] وهذا هو أوّل الرضا . والمقام الثاني من الرضا : هو الصبر على الأحكام وهو صبر أهل البلاء الأمثل فالأمثل بالأنبياء لقوله : نحن معاشر الأنبياء أشد الناس بلاء ثم الأمثل فالأمثل . ولقوله تعالى في المجمل : * ( ولِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ) * [ المدثر : 7 ] . ثم فسّره في الكلام المفسّر ، واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا . ومن الصبر حبس النفس على التقوى ، والتقوى اسم جامع لكلّ خير . فالصبر معنى داخل في كل برّ فإذا جمعهما العبد فهو من المحسنين وما على المحسنين من سبيل . ومنه قوله تعالى : * ( إِنَّهُ من يَتَّقِ ويَصْبِرْ فَإِنَّ الله لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) * [ يوسف : 90 ] . وقال تعالى : * ( لَتُبْلَوُنَّ في أَمْوالِكُمْ وأَنْفُسِكُمْ ولَتَسْمَعُنَّ من الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ من قَبْلِكُمْ ومن الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وإِنْ تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ من عَزْمِ الأُمُورِ ) * [ آل عمران : 186 ] أي إن تصبروا على الأذى عن المكافأة وتتقوا عند الابتلاء والمكاره ولا تجاوزوا فإنه أفضل كما قال تعالى : * ( وإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ به ولَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ) * [ النحل : 126 ] . وقوله تعالى : * ( ولَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ من سَبِيلٍ ) * [ الشورى : 41 ] . ثم قال عزّ وجلّ : * ( ولَمَنْ صَبَرَ وغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ) * [ الشورى : 43 ] . قال : فالأول أعني المكافأة والانتصار بالحق من العدل والعدل حسن ، والثاني أعني العفو والصبر من الفضل وهو الإحسان وهذا مجاز قوله تعالى : * ( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ الله وأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الأَلْبابِ ) * [ الزمر : 18 ] . فاستماع القول
347
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 347