ذاته أمن من الخوفين . ( الرابع ) أن يكون مما تتوحش منه الطباع ، بلا داع عقلي ولا باعث نفس أمري ، كالميت والجن وأمثالهما ، ( لا ) سيما في الليل مع وحدته . ولا ريب في أن هذا ناشئ عن قصور العقل ومقهوريته عن الواهمة ، فليحرك القوة الغضبية ويهيجها لتغلب به العاقلة على الوهم . وربما ينفع إلزام نفسه على الوحدة في الليالي المظلمة والصبر عليها ، حتى يزول عنه هذا الخوف على التدريج . ثم لما كان خوف الموت أشد أقسام هذا النوع وأعمها ، فلنشر إلى علاجه بخصوصه ، فنقول : باعث خوف الموت يحتمل أمورا : ( الأول ) تصور فناء ذاته بالكلية وصيرورته عدما محضا بالموت . ولا ريب في كونه ناشئا عن محض الجهل ، إذ الموت ليس إلا قطع علاقة النفس عن بدنه ، وهي باقية أبدا ، كما دلت عليه القواطع العقلية والشواهد الذوقية والظواهر السمعية ، ولعل ما تقدم يكفي لإثبات هذا المطلوب . ومع قطع النظر عن ذلك نقول : كيف يجوز لمن له أدنى بصيرة أن يجتمع عظماء نوع الإنسان بحذافيرهم ، كأهل الوحي والإلهام وأساطين الحكمة والعرفان على محض الكذب وصرف الباطل ! فمن تأمل أدنى تأمل يتخلص من هذا الخوف . ( الثاني ) تصور إيجابه ألما جسمانيا عظيما لا يتحمل مثله ولم يدرك في الحياة شبهه . وهذا أيضا من الخيالات الفاسدة ، فإن الألم فرع الحياة ، والألم الجسماني ما دامت الحياة لا يكون أشد مما رآه كل إنسان في حياته من الأوجاع وقطع الاتصال ، وبعد زوال الحياة لا معنى لوجوده ، إذ كل جسماني إدراكه بواسطة الحياة ، وبعد انقطاعها لإدراك ، فلا ألم . ( الثالث ) تصور عروض نقصان لأجله . وهو أيضا غفلة عن حقيقة الموت والانسان ، إذ من علم حقيقتهما بعلم أن الموت متمم الإنسانية وآثارها ، والمائت جزء لحد الإنسان . ولذا قال أوائل الحكماء : ( الإنسان حي ناطق مائت ) ، وحد الشئ يوجب كماله لا نقصانه ، فبالموت تحصل التمامية