نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 284
لو قال الشارع : حرمت كل مسكر ، أو حرمت الخمر لكونه مسكرا ، لم يكن التعبد به ممتنعا ، فلو قال : متى حرمت الربا في البر فأسيروا حاله ، وقسموا صفاته ، فإن غلب على ظنكم بإمارة أني حرمته لكونه قوتا ، وحرمت الخمر لكونه مسكرا ، فقد حرمت عليكم كل قوت وكل مسكر ، ومن غلب على ظنه أني حرمته لكونه مكيلا فقد حرمت عليه كل مكيل ، لم يكن بين هذا وبين قوله إذا اشتبهت عليكم القبلة ، فكل جهة غلب على ظنكم أن القبلة فيها فاستقبلوها فرق حتى لو غلب جهتان على ظن رجلين فيكون كل واحد مصيبا ، وكما لم يمتنع أن يلحق ظن القبلة بمشاهدتها ، وظن صدق العدل بتحقيق صدق الرسول المؤيد بالمعجزة وصدق الراوي الواحد بتحقيق صدق التواتر ، فكذلك لا يمتنع أن يلحق ظن ارتباط الحكم بمناط بتحقيق ارتباطه به بالنص الصريح ، فإن قيل : فأي مصلحة في تحريم الربا في البر لكونه مكيلا أو قوتا أو مطعوما قلنا : ومن أوجب الأصلح لم يشترط كون المصلحة مكشوفة للعباد ، وأي مصلحة في تقدير المغرب ثلاث ركعات والصبح بركعتين ، وفي تقدير الحدود والكفارات ونصب الزكوات بمقادير مختلفة لكن علم الله تعالى في التعبد لطفا استأثر بعلمه يقرب العباد بسببه من الطاعة ، ويبعدون به عن المعصية وأسباب الشقاوة ، حتى لو أضاف الحكم إلى اسم مجرد ثبت واعتقدنا فيه لطفا ندركه فكيف لا يتصور ذلك في الأوصاف ؟ الشبهة الثانية : قولهم لا يستقيم قياس إلا بعلة ، والعلة ما توجب الحكم لذاتها ، وعلل الشرع ليست كذلك ، فكيف يستقيم التعليل مع أن ما نصب علة للتحريم يجوز أن يكون علة للتحليل ؟ قلنا : لا معنى لعلة الحكم إلا علامة منصوبة على الحكم ، ويجوز أن ينصب الشرع السكر علامة لتحريم الخمر ويقول : اتبعوا هذه العلامة واجتنبوا كل مسكر ، ويجوز أن ينصبه علامة للتحليل أيضا ، ويجوز أن يقول : من ظن أنه علامة للتحليل فقد حللت له كل مسكر ومن ظن أنه علامة للتحريم فقد حرمت عليه كل مسكر حتى يختلف المجتهدون في هذه الظنون ، وكلهم مصيبون . الشبهة الثالثة : قولهم حكم الله تعالى خبره ، ويعرف ذلك بتوقيف ، فإذا لم يخبر الله عن حكم الزبيب فكيف يقال : حكم الله في الزبيب التحريم والنص ، لم ينطق إلا بالأشياء الستة ، قلنا : إذا قال الله تعالى : قد تعبدتكم بالقياس فإذا ظننتم أني حرمت الربا في البر لكونه مطعوما فقيسوا عليه كل مطعوم ، فيكون هذا خبرا عن حكم الزبيب ، وما لم يقم دليل على التعبد بالقياس لا يجوز القياس عندنا فالقياس عندنا حكم بالتوقيف المحض كما قررناه في كتاب أساس القياس ، لكن هذا النص بعينه وإن لم يرد فقد دل إجماع الصحابة على القياس ، على أنهم ما فعلوا ذلك إلا وقد فهموا من الشارع هذا المعنى بألفاظ وقرائن وإن لم ينقلوها إلينا . الشبهة الرابعة : قولهم إذا اشتبهت رضيعة بعشر أجنبيات أو ميتة بعشر مذكيات لم يجز مد اليد إلى واحدة ، وإن وجدت علامات لامكان الخطأ والخطأ ممكن في كل اجتهاد وقياس ، فكيف يجوز الهجوم مع إمكان الخطأ ، ولا يلزم هذا على الاجتهاد في القبلة ، وعدالة الشاهد والقاضي والامام ومتولي الأوقاف لمعنيين . أحدهما : أن ذلك حكم في الاشخاص والأعيان ولا نهاية لها ، ولا يمكن تعريفها بالنص . والثاني : أن الخطأ فيه غير ممكن ، لانهم متعبدون بظنونهم لا بصدق الشهود ، قلنا : وكذلك
نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 284