نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 174
ويرجع حاصلها إلى القياس ، وهو اقتباس الحكم من معقول النص والاجماع ، وسنقيم الدليل عليه في القطب الرابع ، فإنه نظر في كيفية استثمار الاحكام من الأصول المثمرة ، ومثاله حكمنا أن كل ما أسكر من مشروب أو مأكول فيحرم ، قياسا على الخمر ، لأنها حرمت ، لحفظ العقل الذي هو مناط التكليف ، فتحريم الشرع الخمر دليل على ملاحظة هذه المصلحة . القسم الثاني : ما شهد الشرع لبطلانها : مثاله قول بعض العلماء لبعض الملوك لما جامع في نهار رمضان : إن عليك صوم شهرين متتابعين ، فلما أنكر عليه حيث لم يأمره بإعتاق رقبة مع اتساع ماله قال : لو أمرته بذلك لسهل عليه واستحقر إعتاق رقبة في جنب قضاء شهوته ، فكانت المصلحة في إيجاب الصوم لينزجر به ، فهذا قول باطل ومخالف لنص الكتاب بالمصلحة ، وفتح هذا الباب يؤدي إلى تغيير جميع حدود الشرائع ونصوصها بسبب تغير الأحوال ، ثم إذا عرف ذلك من صنيع العلماء لم تحصل الثقة للملوك بفتواهم ، وظنوا أن كل ما يفتون به فهو تحريف من جهتهم بالرأي . القسم الثالث : ما لم يشهد له من الشرع بالبطلان ولا بالاعتبار نص معين : وهذا في محل النظر ، فلنقدم على تمثيله تقسيما آخر وهو : أن المصلحة باعتبار قوتها في ذاتها تنقسم إلى ما هي في رتبة الضرورات ، وإلى ما هي في رتبة الحاجات ، وإلى ما يتعلق بالتحسينات ، والتزيينات ، وتتقاعد أيضا عن رتبة الحاجات ، ويتعلق بأذيال كل قسم من الأقسام ما يجري منها مجرى التكملة والتتمة لها ، ولنفهم أولا معنى المصلحة ثم أمثلة مراتبها : أما المصلحة : فهي عبارة في الأصل عن جلب منفعة أو دفع مضرة ، ولسنا نعني به ذلك ، فإن جلب المنفعة ودفع المضرة مقاصد الخلق ، وصلاح الخلق في تحصيل مقاصدهم ، لكنا نعني بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرع ، ومقصود الشرع من الخلق خمسة وهو : أن يحفظ عليهم دينهم ، ونفسهم ، وعقلهم ، ونسلهم ، ومالهم ، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة ، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة ، وإذا أطلقنا المعنى المخيل والمناسب في كتاب القياس أردنا به هذا الجنس ، وهذه الأصول الخمسة حفظها واقع في رتبة الضرورات ، فهي أقوى المراتب في المصالح ، ومثاله قضاء الشرع بقتل الكافر المضل ، وعقوبة المبتدع الداعي إلى بدعته ، فإن هذا يفوت على الخلق دينهم ، وقضاؤه بإيجاب القصاص أدبه حفظ النفوس ، وإيجاب حد الشرب إذ به حفظ العقول التي هي ملاك التكليف ، وإيجاب حد الزنا إذ به حفظ النسل والأنساب ، وإيجاب زجر الغصاب والسراق ، إذ به يحصل حفظ الأموال التي هي معاش الخلق ، وهم مضطرون إليها ، وتحريم تفويت هذه الأصول الخمسة ، والزجر عنها يستحيل أن لا تشتمل عليه ملة من الملل وشريعة من الشرائع التي أريد بها إصلاح الخلق ، ولذلك لم تختلف الشرائع في تحريم الكفر والقتال والزنا والسرقة وشرب المسكر ، أما ما يجري مجرى التكملة والتتمة لهذه المرتبة فكقولنا : المماثلة مرعية في استيفاء القصاص ، لأنه مشروع للزجر والتشفي ، ولا يحصل ذلك إلا بالمثل ، وكقولنا : القليل من الخمر ، إنما حرم لأنه يدعو إلى الكثير ، فيقاس عليه النبيذ ، فهذا دون الأول ، ولذلك اختلفت فيه الشرائع . ما تحريم السكر فلا تنفك عنه شريعة لان السكر يسد باب التكليف والتعبد
نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 174