نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 166
تجويز بعثته بمثل تلك الشريعة إذا كانت قد اندرست ، وإرساله بمثلها إذا كانت قد اشتملت على زوائد ، وأن يكون الأول مبعوثا إلى قوم ، والثاني مبعوثا إليهم وإلى غيرهم ، ولعلهم يخالفون إذا كانت الأولى غضة طرية ، ولم تشتمل الثانية على مزيد ، فنقول : يدل على جوازه ما يدل على جواز نصب دليلين وبعثة رسولين معا ، كما قال تعالى : * ( إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث ) * ( يس : 41 ) وكما أرسل موسى وهارون وداود وسليمان ، بل كخلق العينين مع الاكتفاء في الابصار بإحداهما ، ثم كلامهم بناء على طلب الفائدة في أفعال الله تعالى ، وهو تحكم . أما الوقوع السمعي : فلا خلاف في أن شرعنا ليس بناسخ جميع الشرائع بالكلية ، إذ لم ينسخ وجوب الايمان ، وتحريم الزنا والسرقة والقتل والكفر ، ولكن حرم عليه ( ص ) هذه المحظورات بخطاب مستأنف ، أو بالخطاب الذي نزل إلى غيره وتعبد باستدامته ، ولم ينزل عليه الخطاب إلا بما خالف شرعهم ، فإذا نزلت واقعة لزمه اتباع دينهم ، إلا إذا أنزل عليه وحي مخالف لما سبق ، فإلى هذا يرجع الخلاف والمختار أنه لم يتعبد ( ص ) بشريعة من قبله ويدل عليه أربعة مسالك : المسلك الأول : أنه ( ص ) لما بعث معاذا إلى اليمن ، قال له : بم تحكم ؟ قال : بالكتاب والسنة والاجتهاد ، ولم يذكر التوراة والإنجيل وشرع من قبلنا ، فزكاه رسول الله ( ص ) وصوبه ، ولو كان ذلك من مدارك الأحكام لما جاز العدول إلى الاجتهاد إلا بعد العجز عنه ، فإن قيل : إنما لم يذكر التوراة والإنجيل ، لان في الكتاب آيات تدل على الرجوع إليهما ؟ قلنا : سنبين سقوط تمسكهم بتلك الآيات ، بل فيه قوله تعالى : * ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) * ( المائدة : 84 ) وقال ( ص ) : لو كان موسى حيا لما وسعه إلا اتباعي ثم نقول في الكتاب ما يدل على اتباع السنة والقياس ، فكان ينبغي أن يقتصر على ذكر الكتاب ، فإن شرع في التفصيل كانت الشريعة السابقة أهم مذكور ، فإن قيل : اندرجت التوراة والإنجيل تحت الكتاب ، فإنه اسم يعم كل كتاب ؟ قلنا : إذا ذكر الكتاب والسنة لم يسبق إلى فهم المسلمين شئ سوى القرآن وكيف يفهم غيره ولم يعهد من معاذ قط تعلم التوراة والإنجيل ، والعناية بتمييز المحرف عن غيره ، كما عهد منه تعلم القرآن ؟ ولو وجب ذلك لتعلمه جميع الصحابة ، لأنه كتاب منزل لم ينسخ إلا بعضه ، وهو مدرك بعض الأحكام ، ولم يتعهد حفظ القرآن ، إلا لهذه العلة ، وكيف وطالع عمر رضي الله عنه ورقة من التوراة ، فغضب ( ص ) حتى احمرت عيناه وقال : لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي ؟ . المسلك الثاني : أنه ( ص ) لو كان متعبدا بها للزمه مراجعتها والبحث عنها ، وكان لا ينتظر الوحي ، ولا يتوقف في الظهار ورمي المحصنات والمواريث ، ولكان يرجع أولا إليها ، لا سيما أحكام هي ضرورة كل أمة ، فلا تخلو التوراة عنها ، فإن لم يراجعها لاندراسها وتحريفها فهذا يمنع التعبد ، وإن كان ممكنا فهذا يوجب البحث والتعلم ولم يراجع قط إلا في رجم اليهود ليعرفهم أن ذلك ليس مخالفا لدينهم .
نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 166