ويَنقطِعَ موادُّه ، لما قد رَضوا أن يَستَنِدوا إلى الجهل ، ويُضيّعوا العلمَ وأهلَه .وسألتَ : هل يَسَعُ الناسَ المُقامُ على الجَهالةِ ، والتديّنُ بغير علم ، إذا كانوا داخلين في الدين ، مُقرّين بجميع أُموره على جهة الاستحسان ، والنشوءِ عليه ، والتقليدِ للآباء والأسلافِ والكبراء ، والاتّكالِ على عقولهم في دقيق الأشياء وجليلِها ؟فاعلم يا أخي - رحمك الله - أنّ الله - تبارك وتعالى - خلَق عبادَه خِلْقةً منفصلةً من البهائم في الفِطَنِ والعقولِ المركّبةِ فيهم ، محتملةً للأمر والنهي ، وجعَلهم جلّ ذكرُه صنفين :صنفاً منهم أهلَ الصحّة والسلامة ، وصنفاً منهم أهلَ الضرر والزمانة . فَخَصَّ أهلَ الصحّة والسلامة بالأمر والنهي ، بعد ما أكْمَلَ لهم آلةَ التكليف ، ووَضَعَ التكليفَ عن أهل الزمانة والضرر ؛ إذ قد خلَقهم خِلْقَةً غيرَ محتملة للأدبِ والتعليمِ ، وجعَل عزّ وجلّ سَبَبَ بقائهم أهلَ الصحّة والسلامة ، وجعَل بقاءَ أهلِ الصحّة والسلامة بالأدب والتعليم . فلو كانت الجَهالة جائزةً لأهل الصحّة والسلامة لجازَ وَضْعُ التكليفِ عنهم ، وفي جواز ذلك بطلانُ الكتب والرسل والآداب ، وفي رفع الكتبِ والرُّسُلِ والآدابِ فسادُ التدبير ، والرجوعُ إلى قولِ أهل الدهر ؛ فوَجَبَ في عدلِ الله - عزّ وجلّ - وحكمتِه أن يَخُصَّ مَن خلَق من خَلْقِه خِلْقةً محتملةً للأمر والنهي بالأمر والنهي ، لئلاّ يكونوا سُدًى مُهمَلينَ ؛ ولِيُعَظِّموه ويُوَحِّدوه ، ويُقِرُّوا له بالربوبيّة ، ولِيَعْلَموا أنّه خالقُهم ورازقُهم ؛ إذ شواهدُ ربوبيّته دالّةٌ ظاهرةٌ ، وحججُه نيّرةٌ واضحةٌ ، وأعلامُه لائحةٌ تَدعوهم إلى توحيد الله عزّ وجلّ ، وتَشهَدُ على أنفسها لصانعها بالربوبية والإلهيّة ؛ لما فيها من آثار صُنعه ، وعجائبِ تدبيرِه ، فَنَدَبَهم إلى معرفته لئلاّ يُبيحَ لهم أن يَجهلوه ويَجهلوا دينَه وأحكامَه ؛ لأنّ الحكيمَ لا يُبيحُ الجهلَ به ، والإنكارَ لدينه ، فقالَ جلّ ثناؤه : ( أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَبِ أَن لاَّ يَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ ) وقال : ( بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ ) ، فكانوا محصورين بالأمر والنهي ، مأمورينَ بقول الحقّ ، غيرَ مرخَّص لهم في المُقام على الجهل ، أمَرهم بالسؤال والتفقّهِ في الدين فقال : ( فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَة مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ ) وقال : ( فَسَْلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) .فلو كانَ يَسَعُ أهلَ الصحّة والسلامة المقامُ على الجهل ، لما أمَرَهم بالسؤال ، ولم يَكُنْ