فإنك سدة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أمته ، وحجابك مضروب على حرمته ، قد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه ، وسكن عقيراك فلا تصحريها ، الله من وراء هذه الأمة ، لو علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النساء يحتملن الجهاد عهد إليك ، علت علت ! بل نهاك عن الفرطة في البلاد ، أن عمود الدين لا يثاب بالنساء إن مال ، ولا يرأب بهن إن صدع ، حماديات النساء غض الأطراف وخفض الأصوات ، وخفر الأعراض ، وضم الذيول ، وقعر الوهازة ، وما كنت قائلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لو عارضك ببعض الفلوات ناصة قلوصا من منهل إلى منهل ، قد وجهت سدافته وتركتك عهداه ، إن بعين الله مهواك ، وعلى رسوله تردين ، وأقسم بالله لو سرت مسيرك هذا ، ثم قيل لي : يا أم سلمة : ادخلي الفردوس ، لاستحييت أن ألقى محمدا صلى الله عليه وسلم هاتكة حجابا قد ضربه علي . اجعلي بيتك حصنك [1] ، وقاعة الستر قبرك ، حتى تلقيه وأنت
[1] وكانت أم سلمة تطالبها بتطبيق قوله تعالى وقرن في بيوتكن ، ففي تفسير روح المعاني للآلوسي ، روى البزاز عن أنس : أن النساء جئن إلى رسول الله بعد نزول الآية فقلن : لقد ذهب الرجال بالفضل والجهاد ، فهل لنا عمل ندرك به فضل المجاهدين ؟ فقال : من قعد منكن في بيتها تدرك عمل المجاهدين . وقال السيوطي : إن سودة بنت زمعة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم لم تحج بعد نزول الآية فقيل لها في ذلك ، فقالت : إني حججت واعتمرت ، وأمرني ربي تعالى شأنه أن أقر في بيتي حتى تخرج جنازتي . وأخرج مسروق : أن عائشة كلما قرأت وقرن في بيوتكن تبكي حتى تبل خمارها . انظر : روح المعاني 22 : 6 ، الدر المنثور 5 : 196 .