وهن ، إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه ، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع ، إلى أن انتكث فتله ، وأجهز عليه عمله وكبت به بطنته ، فما راعني إلا والناس كعرف الضبع إلي ينثالون علي من كل جانب ، حتى لقد وطئ الحسنان ، وشق عطافي ، مجتمعين حولي كربيضة الغنم ، ولما نهضت بالامر نكثت طائفة ، ومرقت أخرى ، وقسط آخرون ، كأنهم لم يسمعوا الله سبحانه يقول : * ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ) * ( 1 ) ، بلى والله لقد سمعوها ووعوها ، ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم ، وراقهم زبرجها ، أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، لولا حضور الحاضر ، وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله عليه العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم ، ولا سغب مظلوم ، لا لقيت حبلها على غاربها ، ولسقيت آخرها بكأس أولها ، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز " . قالوا : وقام إليه رجل من أهل السواد عند بلوغه عليه السلام إلى هذا الموضع من خطبته فناوله كتابا ، فأقبل ينظر فيه ، فلما فرغ من قرائته ، قال له ابن عباس رحمة الله عليه : يا أمير المؤمنين لو اطردت مقالتك من حيث أفضيت ، فقال : " هيهات يا ابن عباس ، تلك شقشقة هدرت ثم قرت " . قال ابن عباس : فوالله ما أسفت على كلام قط كأسفي على ذلك الكلام ألا يكون أمير المؤمنين عليه السلام بلغ منه حيث أراد ( 2 ) . وقال ابن الأثير في النهاية : ومنه حديث علي : " أصول بيد جذاء " أي : مقطوعة ، كنى به عن قصور أصحابه وتقاعدهم عن الغزو ، فإن الجند للأمير كاليد ، ويروى بالحاء المهملة ( 3 ) . انتهى .