عود على بدء في بحث الوصية لما كانت النصوص الدالة على حق الإمام علي في الحكم بعد النبي ( ص ) وحق الأئمة من ولده ، فيه من أهم ما يوجه النقد لمن ولي الحكم دونهم ، لم يأل العلماء بمدرسة الخلفاء جهدا في كتمان تلكم النصوص وكان من أهمها بحث علماء أهل الكتاب بعد وفاة رسول الله ( ص ) عن وصيه وأقوالهم فيه ، مثل خبر الراهبين الذين مر عليهما الإمام علي في طريق صفين . بينما حفظ نظير تلك الأخبار علماء مدرسة أهل البيت في كتبهم [1] ، مثل خبر مجئ يهوديين في عصر أبي بكر وسؤالهما عن وصي النبي وبعد أن أشار الناس إلى أبي بكر ، ولم يجدا أجوبة أسئلتهما عنده أرسلوا إلى الإمام علي ، فحضر وأجاب على أسئلتهما ، فقالا : أنت وصي خاتم الأنبياء وأسلما . وخبر آخرين من أهل الكتاب جاؤوا على عهد عمر وجرى لهم مع عمر وعلي مثل ما سبق ذكره على عهد أبي بكر ، وقد مر بنا في ما سبق سؤال كعب الأحبار من الخليفة عمر عن أشياء من أحوال رسول الله ( ص ) وإحالة عمر إياه إلى علي بن أبي طالب ، واستمرت أمثال هذه المراجعات من أهل الكتاب وإسلامهم إلى عصور متأخرة ، فقد قال ابن كثير في تاريخه [2] بعدما نقل من التوراة أن الله بشر إبراهيم بإسماعيل وأنه ينميه ويجعل من ذريته اثنا عشر عظيما ، ونقل عن ابن تيمية أنه قال : " وهؤلاء المبشر بهم في حديث جابر بن سمرة ، ولا تقوم الساعة حتى يوجدوا . قال : وغلط كثير ممن تشرف بالاسلام من اليهود فظنوا أنهم الذين تدعوا إليهم فرقة الرافضة فاتبعوهم " . يا ترى ما هي أخبار الكثير من اليهود الذين تشرفوا بالاسلام واتبعوا الرافضة ؟ إن العلماء ارتأوا ما قاله الطبري : " لا يحتمل سماعها العامة " فأسقطوا أخبار أهل الكتاب الذين أسلموا واتبعوا الرافضة جملة وتفصيلا . كمية الاخبار والروايات والنصوص التي أسقطوها إذا قارنا ما رواه ابن كثير في تاريخه من الحديث عن رسول الله ( ص ) في أمر الخوارج الذين قاتلهم الإمام علي ( ع ) في نهروان والذي بلغ سبع عشرة صفحة من كتابه مع النزر اليسير من روايات رسول الله ( ص ) التي بقيت في الكتب في أمر
[1] راجع أخبارهم في البحار . ط ، طهران ، الثانية ، ج 10 / 10 - 50 . [2] ج 6 / 250 .