الصبر على هاتا أحجى [1] فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجا [2] أرى تراثي نهبا ، حتى مضى الأول لسبيله ، فأدلى بها إلى فلان بعده [3] " ثم تمثل بقول الأعشى " . شتان ما يومي على كروها * ويوم حيان أخي جابر [4] فيا عجبا ! ! بينا هو يستقيلها في حياته [5] إذ عقدها لآخر بعد وفاته ، لشد ما تشطرا ضرعيها [6] فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلامها [7] ، ويخشن مسها ، ويكثر العثار فيها ، والاعتذار منها ، فصاحبها كراكب الصعبة [8] إن أشنق لها خرم ، وإن
[1] أحجى : ألزم ، من حجى به كرضى : أولع به ولزمه . ومنه هو حجى بكذا أي : جدير ، وما احجاه وأحج به ، أي : أخلق به ، وأصله من الحجا بمعنى العقل فهي أحجى أي أقرب إلى العقل ، وهاتا بمعنى هذه ، أي : رأى الصبر على هذه الحالة التي وصفها أولى بالعقل من الصولة بلا نصير . [2] الشجا : ما اعترض في الحلق من عظم ونحوه . والتراث : الميراث . [3] أدلى بها : ألقي بها إليه . [4] الكور بالضم : الرحل أو هو مع أداته ، والضمير راجع إلى الناقة المذكورة في الأبيات قبل . وحيان : كان سيدا في بني حنيفة مطاعا فيهم ، وله نعمة واسعة ورفاهية وافرة ، وكان الأعشى ينادمه ، والأعشى هذا : هو الأعشى الكبير أعشى قيس ، وهو أبو بصير ميمون بن قيس بن جندل . وجابر : أخو حيان أصغر منه ، ومعنى البيت أن فرقا بعيدا بين يومه في سفره وهو على كور ناقته وبين يوم حيان في رفاهيته ، فان الأول كثير العناء شديد الشقاء ، والثاني وافر النعيم وافي الراحة . ووجه تمثل الامام بالبيت ظاهر بأدنى تأمل . [5] رووا أن أبا بكر قال بعد البيعة : " أقيلوني فلست بخيركم " . [6] لشد ما تشطرا ضرعيها : جملة شبه قسمية اعترضت بين المتعاطفين والشطر أيضا : أن تحلب شطرا وتترك شطرا ، فتشطرا أي : أخذ كل منهما شطرا . وسمى شطري الضرع ضرعين مجازا : وهو ههنا من أبلغ أنواعه حيث إن من ولى الخلافة لا ينال الامر إلا تاما ، ولا يجوز أن يترك منه لغيره سهما ، فأطلق على تناول الامر واحدا بعد واحد اسم التشطر والاقتسام ، كأن أحدهما ترك منه شيئا للآخر ، وأطلق على كل شطر اسم الضرع نظرا لحقيقة ما نال كل منهما . [7] الكلام - بالضم - الأرض الغليظة وفي نسخة كلمها . وإنما هو بمعنى الجرح كأنه يقول : خشونتها تجرح جرحا غليظا . [8] الصعبة من الإبل : ما ليست بذلول ، وأشنق البعير ، وشنقه : كفه بزمامه حتى ألصق ذفراه " العظم الناتئ خلف الاذن " بقادمة الرحل ، أو رفع رأسه وهو راكبه ، واللام هنا زائدة للتحلية ولتشاكل أسلس . وأسلس : أرخى ، وتقحم : رمى بنفسه في القحمة ، أي : اهلكها . قال الرضى : " كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم وإن أسلس لها تقحم " يريد أنه إذا شدد عليها في جذب الزمام وهي تنازعه رأسها خرم أنفها ، وإن أرخى لها شيئا مع صعوبتها تقحمت به فلم يملكها : يقال : أشنق الناقة ، إذا جذب رأسها بالزمام فرفعه ، وشنقها أيضا ، ذكر ذلك ابن السكيت في إصلاح المنطق : وإنما قال : " أشنق لها " ولم يقل " أشنقها " لأنه جعله في مقابلة قوله " أسلس لها " فكأنه عليه السلام قال : إن رفع لها رأسها بمعنى أمسكه عليها " . الصعبة : اما ان يشنقها فيخرم أنفها ، وإما أن يسلس لها فترمي به في مهواة تكون فيها هلكته .