الأمور إلي فيك العافية ، إلا أن تتعرض للبلاء . فإن تعرضت له قاتلتك واستعنت الله عليك . وقد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه المسلمون ، ثم حاكم القوم إلي أحملك وإياهم على كتاب الله . فأما تلك التي تريدها فخدعة الصبي عن اللبن . ولعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ قريش من دم عثمان . واعلم أنك من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة ، ولا تعرض فيهم الشورى . وقد أرسلت إليك والى من قبلك جرير بن عبد الله ، وهو من أهل الايمان والهجرة ، فبايع ولا قوة الا بالله " [2] . اتضح لنا من هذا الكتاب أن الإمام علي يحتج على معاوية بما التزم به هو ونظراؤه ويقول له : ان بيعتي بالمدينة لزمتك يا معاوية وأنت بالشام ، كما التزمت ببيعة عثمان بالمدينة وأنت بالشام ، وكذلك لزمت بيعتي نظراءك خارج المدينة كما لزمتهم بيعة عمر في المدينة وهم في أماكن أخرى . هكذا يلزمه الإمام علي بكل ما التزم به هو ونظراؤه من مدرسة الخلافة يومذاك ، وهذا وارد لدى العقلاء ، فإنهم يحتجون على الخصم بما التزم به هو ، هذا أولا . وثانيا قوله : " فإذا اجتمعوا على رجل فسموه إماما ، كان ذلك لله رضا " فإنه قد ورد في بعض النسخ " كان ذلك رضا " [3] ، أي كان لهم رضا ، على أن يكون ذلك باختيار منهم ولم تؤخذ البيعة بالجبر وحد السيف . وعلى فرض أنه كان قد قال " كان لله رضا " نقول : نعم ، ما أجمع عليه المهاجرون والأنصار بما فيهم الإمام علي والإمام الحسن والإمام الحسين كان ذلك لله رضا . وأخيرا لست أدري كيف استشهدوا بهذا القول من نهج البلاغة ونسوا أو تناسوا سائر أقوال الامام التي نقلها الشريف الرضي أيضا في نهج البلاغة مثل قوله في باب الحكم : لما انتهت إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنباء السقيفة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال عليه السلام : ما قالت الأنصار ؟ قالوا : قالت : منا أمير ومنكم
( 1 ) الطلقاء : جمع طليق ، وهو الأسير الذي أطلق عنه إساره وخلى سبيله . ويراد بهم الذين خلى عنهم رسول الله يوم فتح مكة وأطلقهم ولم يسترقهم . [2] صفين لنصر بن مزاحم ط . القاهرة سنة 1832 ه ، ص 29 . [3] راجع نهج البلاغة ط . الاستقامة بالقاهرة تجد لفظ الجلالة " لله " بين علامتين إشارة إلى أنه لم يرد لفظ الجلالة بين النسخ .