نام کتاب : مسكن الفؤاد نویسنده : الشهيد الثاني جلد : 1 صفحه : 75
هذا ، فقمت وصليت ركعتين ، ودعوت الله ، فسمعت صوتا يقول : يا أبا قدامة ، أترك ولي الله ، فما برحت حتى نزلت عليه طيور فأكلته . فلما أتيت المدينة ذهبت إلى دار والدته ، فلما قرعت الباب خرجت أخته إلي ، فلما رأتني عادت إلى أمها ، وقالت : يا أماه هذا أبو قدامة ، وليس معه أخي ، وقد أصبنا في العام الأول بأبي ، وفي هذا العام بأخي ، فخرجت أمه ، فقالت : أمعزيا أم مهنئا ؟ فقلت : ما معني هذا ؟ قالت : إن كان ابني مات فعزني ، وإن كان استشهد فهنئني ، فقلت : لا ، بل قد مات شهيدا ، فقالت : له علامة ، فهل رأيتها ؟ فقلت : نعم ، لم تقبله الأرض ، ونزلت الصيور ، فأكلت لحمه ، وتركت عظامه ، فدفنتها ، فقالت : الحمد لله . فسلمت إليها الخرج ، ففتحته وأخرجت منه مسحا وغلا من حديد ، قالت : إنه كان إذا جنه الليل لبس هذا المسح ، وغل نفسه بالغل وناجى مولاه ، وقال في مناجاته : إلهي احشرني من حواصل الطيور . فاستجاب الله سبحانه دعاءه رحمه الله . وروى البيهقي عن أبي العباس السراج ، قال : مات لبعضهم ابن ، فدخلت على أمه ، فقلت لها : اتقي الله واصبري ، فقالت : مصيبتي به أعظم من أن أفسدها بالجزع . وقال أبان بن تغلب رحمه الله : دخلت على امرأة ، وقد نزل بابنها الموت ، فقامت إليه فغمضته وسجته ، ثم قالت : يا بني ، ما الجزع في ما لا يزول ؟ وإنما البكاء في ما ينزل بك غدا ؟ يا بني تذوق ما ذاق أبوك وستذوقه من بعدك أمك ، وإن أعظم الراحة لهذا الجسد النوم ، والنوم أخو الموت ، فما عليك إن كنت نائما على فراشك ، أو على غيره ، وإن غدا السؤال والجنة والنار ، فإن كنت من أهل الجنة فما ضرك الموت ، وإن كنت من أهل النار فما تنفعك الحياة ، ولو كنت أطول الناس عمرا ، والله يا بني لولا أن الموت أشرف الأشياء لابن آدم ، لما أمات الله نبيه صلى الله عليه وآله ، وأبقى عدوه إبليس لعنه الله [1] . وعن المبرد قال : أتيت امرأة أعزيها عن ابنها ، فجعلت تثني عليه ، فقالت : كان - والله - ماله لغير بطنه ، وأمره لغير عرسه ، وكان رحب الذراع بالتي لا تشينه ، فإن كانت الفحشاء ضاق بها ذرعا ، فقلت لها : وهل لك منه خلف ؟ - وأنا أعني الولد - ، فقالت : نعم بحمد الله كثير طيب ، ثواب الله عز وجل ، ونعم العوض في الدنيا والآخرة .