responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مسكن الفؤاد نویسنده : الشهيد الثاني    جلد : 1  صفحه : 84


فصل مرتبة الرضا عالية جدا على مرتبة الصبر ، بل نسبة الصبر إلى الرضا عند أهل الحقيقة ، نسبة المعصية إلى الطاعة ، فإن المحبة تقتضي اللذة بالبلاء ، لأنه يجد في البلاء نفسه على ذكر من محبوبه ، فيزيد قربه وأنسه . والصبر بمقتضى كراهة البلاء واستصعابه حتى يوجب الصبر عليه ، والكراهة تنافي الأنس ، فتبين بذلك أن الصبر والمحبة متنافيان .
وأيضا ، فإن الصبر إظهار التجلد ، وهو في مذهب المحبة من أشد المنكرات نكرا ، وأظهر علامات العداوة طرا ، كما قيل :
ويحسن إظهار التجلد للعدي * ويقبح إلا العجز عند الأحبة ومن هنا قال أهل الحقيقة : الصبر من أصعب المنازل على العامة ، وأوحشها في طريق المحبة ، وأنكرها في طريق التوحيد .
وإنما كان أصعب عند العامة ، لأن العامي لم يتدرب بالرياضة ، ولم يتحنك بالصبر على البلاء ، ولم يتعود بقمع النفس ، فلم يحتمل البلاء ، ولم يكن من أهل المحبة حتى يتلذذ بالبلاء ، فإذا امتحنه الحق سبحانه بالبلاء - وهو في مقام النفس - لم يحتمل البلاء وغلبه الجزع ، وصعب عليه حبس النفس عن إظهاره لعدم طمأنينتها .
وإنما كان أوحش المنازل في طريق المحبة ، لأن المحبة تقتضي الأنس بالمحبوب ، والالتذاذ بالبلاء ، لشهود المبتلى فيه وإيثار مراد المحبوب ، والصبر يقتضي كراهة البلاء كما مر ، فيتنافيان .
وإنما كان أنكر في مقام التوحيد ، لأن الصابر يدعي قوة الثبات ، ودعوى الثبات والتجلد من رعونات [1] النفس ، والتوحيد يقتضي فناء النفس ، فيكون أنكر لأن إثبات النفس في طريق التوحيد من أقبح المنكرات بل الرضا مع عظم قدره وعلو أمره عند أهل التحقيق في التوحيد من أوائل مسالكه ، لأن سلوكهم في الفناء في التوحيد بذواتهم ، والرضا هو فناء الإرادة الحق تعالى ، والوقوف الصادق مع مراد الله تعالى ، وفناء الصفة قبل فناء الذات .
وقد تبين لك بذلك ما بين الصبر والرضا من المراتب البعيدة والمسالك الشديدة .



[1] في ( ح ) : مرغوبات .

نام کتاب : مسكن الفؤاد نویسنده : الشهيد الثاني    جلد : 1  صفحه : 84
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست