نام کتاب : مسكن الفؤاد نویسنده : الشهيد الثاني جلد : 1 صفحه : 79
الباب الثالث : في الرضا قال الله تعالى : ( لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتيكم ) [1] ( رضي الله عنهم ورضوا عنه ) [2] . إعلم أن الرضا ثمرة المحبة لله ، من أحب شيئا أحب فعله والمحبة ثمرة المعرفة ، فإن من أحب شخصا إنسانيا لاشتماله على بعض صفات الكمال أو نعوت الجمال ، يزداد حبه له كلما زاد به معرفة وله تصورا . فمن نظر بعين بصيرته إلى جلال الله تعالى وكماله - الذي يطول شرح تفصيل بعضه ، ويخرج عن مقصود الرسالة - أحبه ، والذين آمنوا أشد حبا لله ، ومتى أحبه استحسن كل أثر صادر عنه ، وهو يقتضي الرضا . فالرضا ثمرة من ثمرات المحبة ، بل كل كمال فهو ثمرتها ، فإنها لما كانت فرع المعرفة استلزم تصور رحمته رجاؤه ، وتصور هيبته الخشية له ، ومع عدم الوصول إلى المطلوب الشوق ، ومع الوصول الأنس ، ومع إفراط الأنس الانبساط ، ومع مطالعة عنايته التوكل ، ومع استحسان ما يصدر عنه الرضا ، ومع تصور قصور نفسه في جنب كماله وكمال إحاطة محبوبه به وقدرته عليه التسليم إليه ، ويتشعب من التسليم مقامات عظيمة ، يعرفها من عرفها ، وينتهي الأمر به إلى غاية كل كمال . واعلم أن الرضا فضيلة عظيمة للإنسان ، بل جماع أمر الفضائل يرجع إليها ، وقد نبه الله تعالى على فضله ، وجعله مقرونا برضا الله تعالى وعلامة له ، فقال : ( رضي الله عنهم ورضوا عنه ) [3] ( ورضوان من الله أكبر ) [4] وهو نهاية الإحسان ، وغاية الامتنان . وجعله النبي صلى الله عليه وآله دليلا على الإيمان ، حين سأل طائفة من أصحابه ، ( ما أنتم ؟ ) قالوا مؤمنون ، فقال : ( ما علامة إيمانكم ؟ ) قالوا : نصبر على البلاء ، ونشكر عند الرخاء ، ونرضى بمواقع القضاء ، فقال : ( مؤمنون ورب الكعبة ) [5] .