واجتناء ايناعه ، وما يشيج بذلك من الكتابة والإتقان ، والضبط بقدر الوسع والإمكان ، والحرص على جمع الأحاديث النبوية والولوية ، والرحلة وجوب المفاوز في تحصيل المعارف الإلهية . وأما الشهادة ، فميراث قيم تتصل به حلقات طبقات أصحابنا ، منذ عهد قاوموا فيه لقطع جزوم الضلالة والانحراف ، واستيصال شأفة الغواية والاعتساف ، وخذم شجون الضلالة وجنف الأجلاف من أوائل العهد الاسلامي إلى تالية القرون والأيام . فهذا التاريخ عظيم جدا ، في وشائجه الأصيلة ، في قوائمه المدعومة ، في أهدافه الإلهية ، وفي مآثره الخالدة ، التي تتحدث عنها الأجيال ، بكل تبجيل وإعظام ، وترمق إليها الأقوام ، بكل تعظيم وإكرام . فقلما يوجد في سائر المذاهب والمكاتب مثل ما يوجد في الشيعة من الأكابر ، والعظماء والأماثل ، والربانيين ، من الذين باعوا ترف الدار الزائلة ، وانصرفوا بكلهم إلى إنقاذ الناس ، وتهذيب النفوس ، وتعديل الجماعات ، فصاروا مشاعل الحياة السعيدة ، ومنارات الإصلاحات والتربية ، وأعلام الإنسانية التامة . وهذه صفحات حياتهم المواجة ، بالعلم والتقوى ، والقداسة ، والعظمة ، وهذه آثارهم الغالية ، التي تشهد لهم بكل ذلك ، وتجعل الأعاظم يخضعون أمامهم وأمام أفكارهم السامية وآثار أقلامهم الزاكية . فكم نبغ فيهم نوابغ من العلماء والفقهاء والأدباء والمحدثين والمفسرين والمؤلفين ، المكثرين المجدين ، الذين تزهر تآليفهم على ناصية التاريخ الاسلامي زهر الثريا على هذا الأديم الأزرق الفسيح ، ولها أثر عظيم ، في تحرير الأفكار ، وتصويب الأنظار ، وإيحاء الحقائق إلى القلوب النقية ، وهداية الناس إلى منابع العلوم الإلهية ، وتعريف علماء الفرق ، آثار العقول ، ودرك فروع الأصول ، وثقافتهم العميقة الباهرة ، وأنظارهم المشرقة الزاهرة . وحسبنا أن نأخذ في ذلك أمثلة من المعاصرين ، وهم العلامة الفهامة ، السيد محسن العاملي ، مؤلف أعيان الشيعة في مائة مجلد خرج منها ستة وأربعون مجلدا