والصلاة ولم يلبثوا ، فوجدوا الأمن والعافية ، وأماكن السفينة خالية ، فجلسوا في أطهر الأماكن وأوفقها ، وأطيب المواضع وأرفقها . يا نفس : ومنهم من وقف ينظر إلى شجرة تلك الجزيرة وأثمارها ، ويستمع إلى طيب ترنم أطيارها ، فغفلوا لذلك غفلة قليلة ، أعقبتهم حسرة طويلة ، فلما عادوا إلى المركب لم يجدوا مفرجا ، بل مكانا حرجا ، فقعدوا في أضيق المواطن وأظلمها ، وأحرج الأماكن وأشأمها . يا نفس : ومنهم من لم يقتنع بالنزهة والتفرج ، وأطال مدة المكث والتبرج ، واشتغلوا بجمع ما في الجزيرة من اللآلي الثمينة ، ولم يلتفتوا إلى مناداة الملاح في السفينة ، فتحيروا إذ ذهبت السفينة في الرجوع ، وغار [1] من الجزيرة الينبوع [2] ، ثم جدت من شروشها ، وخرت على عروشها ، فمنهم من هوى فيها صريعا ، أو مات بها جوعا ، ومنهم من أهلكته السباع ، وأكلته الضباع ، فالقوم المتقدمون هم المؤمنون ، والقوم المتوسطون هم الذين للطاعة والمعصية يخلطون ، والقوم المتأخرون هم المجرمون .
[1] في ب : وعاد . [2] أي : العين . اللسان 8 : 345 نبع .