مخلفيه ؟ أكففت عن غيبة أخ مؤمن ؟ أ أعنت مسلما ؟ ما الذي صنعت فيه ؟ فيذكر ما كان منه ، فإن ذكر أنه جرى منه خير حمد الله وكبره على توفيقه ، وإن ذكر معصية أو تقصيرا استغفر الله وعزم على ترك معاودته [1] . فلا بد للعاقل أن يقسم وقته : فوقت يناجي فيه ربه ، وآخر يتفكر فيه في صنع الله ، ووقت يخلو فيه بحظ نفسه من الحلال ، وآخر يحاسب نفسه فيه . فيعين وقتا خاصا يتكلم فيه مع نفسه ويخاطبها وينبهها ويحثها ويؤنبها و يوبخها كما ورد في الحديث السابق . وهذه الطريقة من أحسن طرق محاسبة النفس ، ولها الأثر البالغ السريع . وأول من اقتفى هذه الطريقة - حسب تفحصي - هو شيخنا الأمير الزاهد ورام بن أبي فراس الأشتري ، حيث ذكر في مجموعته : فإذا أصبح العبد وفرغ من فريضة الصبح ينبغي أن يفرغ قلبه ساعة لمشارطة النفس - كما أن التاجر عند تسليم البضاعة إلى شريك يفرغ المجلس لمشارطته - فيقول للنفس : ما لي بضاعة إلا العمر ، ومهما فني رأس المال حصلت الخسارة ، ووقع اليأس من التجارة ، وهذا اليوم الجديد قد أمهلني الله تعالى فيه ، وأنسأني أجلي وأنعم علي به ، ولو توفاني لكنت أتمنى أن يرجعني إلى الدنيا يوما واحدا ، حتى أعمل فيه صالحا ، فاحسبي أنك توفيت ، ثم رددت ، فإياك ثم إياك أن تضيعي هذا اليوم ، فإن كل نفس من الأنفاس جوهرة لا قيمة لها . . . [2] . وقال شيخنا النوري الطبرسي في كتابه دار السلام بعد ذكر حديث الصير في [3] :
[1] وسائل الشيعة 11 : 379 حديث 8 نقلا عن التفسير المنسوب للإمام العسكري عليه السلام . [2] تنبيه الخواطر ونزهة النواظر 1 : 233 . [3] روي عن سدير الصير في أنه قال : دخلت أنا والمفضل بن عمر وأبو بصير وأبان بن تغلب على مولانا أبي عبد الله الصادق عليه السلام ، فرأيناه جالسا على التراب ، وعليه مسح خيبري مطوق بلا جيب مقصر الكمين ، وهو يبكي بكاء الوالهة الثكلى ذات الكبد الحرى ، قد نال الحزن من وجنتيه وشاع التغيير في عارضيه وأبلى الدموع محجريه ، وهو يقول : سيدي ، غيبتك نفت رقادي ، وضيقت علي مهادي ، وابتزت مني راحة فؤادي . سيدي ، غيبتك أوصلت مصابي بفجائع الأبد ، وفقد الواحد بعد الواحد يفني الجمع والعدد ، فما أحس بدمعة ترقى من عيني . وأنين يفتر من صدري ، عن دوارج الرزايا ، وسوالف البلايا ، إلا ما مثل بعيني من غوابر أعظمها وأفظعها ، وبواقي أشدها وأنكرها ، ونوائب مخلوطة بغضبك ، ونوازل معجونة بسخطك . قال سدير : فاستطارت عقولنا ولها ، وتصدعت قلوبنا جزعا ، من ذلك الخطب الهائل ، والحادث الغائل ، وظننا أنه سمت لمكروهة قازعة ، أو حلت به من الدهر بائقة ، فقلنا : لا أبكى الله يا ابن الورى عينيك ، من أية حادثة تستنزف دمعتك وتستمطر عبرتك ؟ وأية حالة حتمت عليك هذا المأتم ؟ قال : فزفر الصادق عليه السلام زفرة انتفخ منها جوفه ، واشتد عنها خوفه ، وقال : ويلكم نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم . وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا ، وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، الذي خص الله به محمدا والأئمة من بعده عليهم السلام . وتأملت فيه مولد قائمنا ، وغيبته ، وإبطاءه ، وطول عمره ، وبلوى المؤمنين في ذلك الزمان ، وتولد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته ، وارتداد أكثرهم عن دينهم وخلعهم ربقة الاسلام عن أعناقهم التي قال الله : ( وكل انسان ألزمناه طائرة في عنقه ) - يعني الولاية - فأخذتني الرقة ، واستولت علي الأحزان . . . كمال الدين : 352 - 354 .