بؤسي لما لقيت من هذه الأمة بعد نبيها من الفرقة وطاعة أئمة الضلال والدعاة إلى النار . ولم أعط سهم ذوي القربى منهم إلا لمن أمر الله بإعطائه الذين قال الله : ( إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان ) [1] ، فنحن الذين عنى الله بذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ، كل هؤلاء منا خاصة [2] لأنه لم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيبا وأكرم الله نبيه صلى الله عليه وآله وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ أيدي الناس . [3]
[1] . سورة الأنفال : الآية 41 . [2] . في الكافي والتهذيب : نحن والله الذين عنى الله بذي القربى الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه فقال : ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين ) ، منا خاصة . [3] . من قوله ( ورددت من قضى من كان قبلي بجور . . . ) إلى آخر الحديث في روضة الكافي زيادة مهمة هكذا : ( . . . ورددت قضايا من الجور قضى بها ، ونزعت نساء تحت رجال بغير حق فرددتهن إلى أزواجهن ، واستقبلت بهن الحكم في الفروج والأحكام وسبيت ذراري بني تغلب ورددت ما قسم من أرض خيبر ومحوت دواوين العطايا وأعطيت كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله يعطي بالسوية ولم أجعلها دولة بين الأغنياء وألقيت المساحة وسويت بين المناكح وأنفذت خمس الرسول كما أنزل الله عز وجل وفرضه ، ورددت مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله إلى ما كان عليه ، وسددت ما فتح فيه من الأبواب وفتحت ما سد منه وحرمت المسح على الخفين وحددت على النبيذ وأمرت بإحلال المتعتين ، وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، وأخرجت من أدخل مع رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجده ممن كان رسول الله صلى الله عليه وآله أخرجه وأدخلت من أخرج بعد رسول الله ممن كان رسول الله أدخله ، وحملت الناس على حكم القرآن وعلى الطلاق على السنة ، وأخذت الصدقات على أصنافها وحدودها ، ورددت الوضوء والغسل والصلاة إلى مواقيتها وشرائعها ومواضعها ، ورددت أهل نجران إلى مواضعهم ، ورددت سبايا فارس وسائر الأمم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله ، إذا لتفرقوا عني . والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة وأعلمتهم أن جماعتهم في النوافل بدعة فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي : ( يا أهل الإسلام ، غيرت سنة عمر ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعا ) ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري . ما لقيت من هذه الأمة من الفرقة وطاعة أئمة الضلالة والدعاة إلى النار . وأعطيت من ذلك سهم ذي القربى الذي قال الله عز وجل : ( إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان ) ، فنحن والله عني بذي القربى الذي قرننا الله بنفسه وبرسوله فقال تعالى : ( فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل - فينا خاصة - كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم ) و ( ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله - في ظلم آل محمد - إن الله شديد العقاب ) لمن ظلمهم رحمة منه لنا وغنى أغنانا الله به ووصى به نبيه صلى الله عليه وآله ، ولم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيبا ، أكرم الله رسوله وأكرمنا أهل البيت أن يطعمنا من أوساخ الناس . فكذبوا الله وكذبوا رسوله وجحدوا كتاب الله الناطق بحقنا ومنعونا فرضا فرضه الله لنا . ما لقي أهل بيت نبي من أمته ما لقينا بعد نبينا ، والله المستعان على من ظلمنا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ) . ولا بأس بالإشارة إلى ذكر تفصيل بعض ما أشار عليه السلام إليه من البدع : قوله عليه السلام : ( وألقيت المساحة ) ، روي في البحار : ج 8 ( طبع قديم ) ص 284 أن عمر وضع الخراج على أرض السواد وأمر بمساحة أرضها ، ثم ضرب على كل جريب نخل عشرة دراهم وعلى الكرم ثمانية دراهم وعلى جريب الشجر والرطبة ستة دراهم وعلى الحنطة أربعة دراهم وعلى الشعير درهمين . وكان الفرض في الأراضي المفتوحة عنوة أن يخرج خمسها لأرباب الخمس وأربعة الأخماس الباقية تكون للمسلمين قاطبة . قوله عليه السلام : ( أنفذت خمس الرسول كما أنزل الله عز وجل ) ، قال ابن شهرآشوب في المثالب ( مخطوط ) ص 393 : إن عمر صرف الأخماس عن أهلها فجعلها في الكراع والسلاح ومنع الخمس منهم حين كثره واستعظم ما رآى من كثرته أن يدفعه إلى أهله وقوله عليه السلام : ( سويت بين المناكح ) إشارة إلى ما سيجئ في الحديث 23 من أن عمر سن أن تنكح العرب في الأعاجم ولا ينكحوهم . وقوله عليه السلام ( حرمت المسح على الخفين ) ، روي في البحار : ج 8 طبع قديم ص 287 عن أبي جعفر عليه السلام قال : جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وفيهم علي عليه السلام وقال : ما تقولون في المسح على الخفين ؟ فقام المغيرة بن شعبة فقال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يمسح على الخفين . فقال علي عليه السلام : قبل المائدة أو بعدها ؟ ( أي قبل نزول سورة المائدة أو بعدها ؟ ) فقال : لا أدري . فقال علي عليه السلام : سبق الكتاب الخفين ، إنما أنزلت مائدة قبل أن يقبض بشهرين أو ثلاثة . وقوله عليه السلام ( وحددت على النبيذ ) ، روى العلامة الأميني في الغدير : ج 6 ص 257 عن عدة طرق : أن عمر كان يشرب النبيذ الشديد وكان يقول : إنا نشرب هذا الشراب الشديد لنقطع به لحوم الإبل في بطوننا أن تؤذينا فمن رابه من شرابه شئ فليمزجه بالماء وقوله عليه السلام ( وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات ) ، روي في البحار : ج 8 طبع قديم ص 287 عن ابن حزم في كتاب المحلى قال : جمع عمر بن الخطاب الناس فاستشارهم في التكبير على الجنائز . فقالوا : أكبر النبي صلى الله عليه وآله سبعا وخمسا وأربعا . فجمعهم عمر على أربع تكبيرات . وأورده في الغدير : ج 6 ص 244 . وقوله عليه السلام : ( وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ) ، إشارة إلى إسقاط عمر للبسملة عن أول السور ، فقد روى ابن شهرآشوب في المثالب ( مخطوط ) ص 381 : أن عمر حذف بسم الله الرحمن الرحيم من القرآن ومن الصلاة وقال : ليس في القرآن إلا مرة واحدة وقوله عليه السلام ( الطلاق على السنة ) ، روي في البحار : ج 8 طبع قديم ص 287 أن ابن عباس قال : كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة . فقال عمر بن الخطاب : إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة ، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم . وأورده العلامة الأميني في الغدير : ج 6 ص 178 . وقوله عليه السلام ( رددت الوضوء والغسل والصلاة إلى مواقيتها وشرائعها ومواضعها ) ، إشارة إلى البدع التي أحدث فيها كالمسح على الخفين ومسح الرأس والأذنين وغسل الرجلين ، وكترك الصلاة لمن لم يجد الماء للغسل ، ومثل وضع اليمين على الشمال في الصلاة وإسقاط البسملة وقول ( آمين ) بعد الحمد وكتأخير صلاة الصبح حتى تغيب النجوم وتأخير صلاة المغرب حتى تطلع النجوم وغير ذلك . وقوله عليه السلام ( رددت أهل نجران إلى مواضعهم ) ، روى ابن شهرآشوب في المثالب ( مخطوط ) ص 393 والطبري في وقائع سنة 20 : أن عمر أجلى أهل نجران وخيبر عن ديارهم وقال : لا يجتمع دينان في جزيرة العرب وقد أقرهم النبي صلى الله عليه وآله عليه أن يكفوا عملها ولهم نصف الثمن وكتب لهم كتابا بذمتهم وهو معهم إلى يومنا هذا . وقوله عليه السلام ( رددت سائر الأمم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله ) ، روى ابن شهرآشوب في المثالب ( مخطوط ) ص 393 عن كتاب آداب الوزراء : أن عمر كان يأخذ من جميع أهل الذمة فيما اتجروا فيه كل سنة العشر ومرتين إن اتجروا مرتين ومن لم يتجر أربعة دنانير أو أربعين درهما . والفقهاء أجمعوا أن النبي صلى الله عليه وآله أخذ من كل حالم دينارا ولم ينقل أحد من أهل الأثر خبرا أن النبي صلى الله عليه وآله جعلهم في الجزية طبقات . وقد جعلهم عمر طبقات ثلاث فأخذ من الأغنياء خمسة دنانير إلى مائة درهم ومن الأوساط خمسين درهما ونحو هذا ومن الفقراء دينارا واحدا .