جماعتهم عليه ، والملك لمن غلب ، فوهبوا لهم دينهم ، ومنحهم القوم دنياهم ، فخسروا الدنيا والآخرة ، ألا ذلك هو الخسران المبين . فبكى أبو ذر رحمه الله وكان شيخا كبيرا ، وقال : رحمكم الله يا أهل بيت الرحمة ، إذا رأيتكم ذكرت بكم رسول الله صلى الله عليه وآله ، مالي بالمدينة سكن ولا شجن غيركم ، اني ثقلت على عثمان بالحجاز ، كما ثقلت على معاوية بالشام ، وكره أن أجاور أخاه وابن خاله بالمصرين فأفسد الناس عليهما ، فسيرني إلى بلد ليس لي به ناصر ولا دافع الا الله ، والله ما أريد الا الله صاحبا ، وما أخشى مع الله وحشة . ورجع القوم إلى المدينة ، فجاء علي عليه السلام إلى عثمان ، فقال له : ما حملك على رد رسولي وتصغير أمري ؟ فقال علي عليه السلام : أما رسولك فأراد أن يرد وجهي فرددته ، وأما أمرك فلم أصغره . قال : أما بلغك نهيي عن كلام أبي ذر ؟ قال : أو كلما أمرت بأمر معصية أطعناك فيه ؟ قال عثمان : أقد مروان من نفسك ، قال : مم ذا ؟ قال : من شتمه وجذب راحلته ، قال : أما راحلته فراحلتي بها ، وأما شتمه إياي فوالله لا يشتمني شتمة الا شتمتك مثلها لا أكذب عليك ، فغضب عثمان وقال : لم لا يشتمك كأنك خير منه ؟ قال علي عليه السلام : اي والله ومنك ، ثم قام فخرج . ثم قال ابن أبي الحديد بعد اتمام الحكاية : واعلم أن الذي عليه أكثر أرباب السير وعلماء الأخبار والنقل أن عثمان نفى أبا ذر أولا إلى الشام ، ثم استقدمه إلى المدينة لما شكى منه معاوية ، ثم نفاه من المدينة إلى الربذة لما عمل بالمدينة نظير ما كان يعمل بالشام . أصل هذه الواقعة : أن عثمان لما أعطى مروان بن الحكم وغيره بيوت الأموال ، واختص زيد بن ثابت بشئ منها ، جعل أبو ذر يقول بين الناس في الطرقات والشوارع : بشر الكافرين بعذاب أليم ، ويرفع بذلك صوته ، ويتلو قوله تعالى