فلما كانت ببعض الطريق ذكرته بما لا يجوز أن يذكر به ، وتأففت وقالت : هتك ستري برجاله وجنده الذين وكلهم بي ، فلما وصلت المدينة ألقى النساء عمائمهن وقلن لها : إنما نحن نسوة . وحاربه أهل البصرة وضربوا وجهه ووجوه أولاده بالسيف [1] ، وشتموه ولعنوه ، فلما ظفر بهم رفع السيف عنهم ، ونادى مناديه في أقطار العسكر : ألا لا يتبع مول ، ولا يجهز على جريح ، ولا يقتل مستأسر ، ومن ألقى سلاحه فهو آمن ، ومن تحيز إلى عسكر الامام فهو آمن ، ولم يأخذ أثقالهم ، ولا سبي ذراريهم ، ولا غنم شيئا من أموالهم ، ولو شاء أن يفعل كل ذلك لفعل ، ولكنه أبى الا الصفح والعفو ، وتقيل سنة رسول الله صلى الله عليه وآله يوم فتح مكة ، فإنه عفى والأحقاد لم تبرد ، والإساءة لم تنس . ولما ملك عسكر معاوية عليه الماء ، وأحاطوا بشريعة الفرات ، وقال رؤساء الشام له : اقتلهم بالعطش كما قتلوا عثمان عطشا ، سألهم علي عليه السلام وأصحابه أن يشرعوا لهم شرب الماء ، فقالوا : لا والله ولا قطرة حتى تموتوا ظمأ كما مات عثمان بن عفان ، فلما رأى عليه السلام أنه الموت لا محالة تقدم بأصحابه وحمل على عساكر معاوية حملات كثيفة ، حتى أزالهم عن مراكزهم بعد قتل ذريع ، سقطت منه الرؤوس والأيدي ، وملكوا عليهم الماء ، فصار أصحاب معاوية في الفلاة لا ماء لهم ، فقال له أصحابه وشيعته : أمنعهم من الماء يا أمير المؤمنين كما منعوك ، ولا تسقهم منه قطرة ، واقتلهم بسيوف العطش ، وخذهم قبضا بالأيدي ، فلا حاجة لك إلى الحرب ، فقال : لا والله لا أكافؤهم بمثل فعلهم ، افسحوا لهم عن بعض الشريعة ، ففي حد السيف ما يغني عن ذلك .