فلقد كان صلى الله عليه وآله يحب أن يعادي أعداء الله ولو كانوا عترته ، كما يحب أن يوالي أولياء الله ولو كانوا أبعد الخلق نسبا منه ، والشاهد على ذلك اجماع الأمة على أن الله تعالى قد أوجب عداوة من ارتد بعد الاسلام ، وعداوة من نافق وإن كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله هو الذي أمر بذلك ودعا إليه ، وذلك أنه صلى الله عليه وآله قد أوجب قطع السارق ، وضرب القاذف ، وجلد البكر إذا زنا ، وإن كان من المهاجرين أو الأنصار . ألا ترى أنه قال : لو سرقت فاطمة لقطعتها ، فهذه ابنته الجارية مجرى نفسه ، لم يحابها في دين الله ، ولا راقبها في حدود الله ، وقد جلد أصحاب الإفك ، ومنهم مسطح بن أثاثة وكان من أهل بدر . قال : وبعد ، فلو كان محل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله محل من لا يعادى إذا عصى الله سبحانه ولا يذكر بالقبيح ، بل يجب أن يراقب لأجل اسم الصحبة ، ويغضى عن عيوبه وذنوبه ، لكان كذلك صاحب موسى عليه السلام المسطور ثناؤه في القرآن لما اتبع هواه ، فانسلخ مما أوتي من الآيات وغوى ، قال سبحانه واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين [1] ولكان ينبغي أن يكون محل عبدة العجل من أصحاب موسى عليه السلام هذا المحل ، لأن هؤلاء كلهم قد صحبوا رسولا من رسل الله سبحانه . قال : ولو كانت الصحابة عند أنفسها بهذه المنزلة لعلمت ذلك من حال أنفسها ، لأنهم أعرف بمحلهم من عوام أهل دهرنا ، وإذا قدرت أفعال بعضهم ببعض دلتك على أن القصة كانت على خلاف ما قد سبق إلى قلوب الناس اليوم ، هذا علي وعمار ، وأبو الهيثم بن التيهان ، وخزيمة بن ثابت ، وجميع من كان مع علي عليه السلام من المهاجرين والأنصار ، لم يروا أن يتغافلوا عن طلحة والزبير حتى فعلوا بهما وبمن