زعم أني أحدهم ، فيالله وللشورى ، متى اعترض الريب في مع الأول منهم ، حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر ، لكني أسففت إذ سفوا ، وطرت إذ طاروا ، فصغى رجل منهم لضغنه ، ومال الاخر لصهره ، مع هن وهن ، إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه ، بين نثيله ومعتلفه ، وقام معه بنو أمية يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع ، إلى أن انتكث عليه فتله ، وأجهز عليه عمله ، وكبت به بطنته . فما راعني الا والناس إلي كعرف الضبع إلي ، ينثالون علي من كل جانب ، حتى لقد وطئ الحسنان ، وشق عطفاي ، مجتمعين حولي كربيضة الغنم ، فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة ، ومرقت أخرى ، وقسط آخرون ، كأنهم لم يسمعوا كلام الله حيث يقول تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين بلى والله لقد سمعوها ووعوها ، ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم ، وراقهم زبرجها . أما والذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة ، لولا حضور الحاضر ، وقيام الحجة بوجود الناصر ، وما أخذ الله على العلماء ألا يقاروا على كظة ظالم ، ولا سغب مظلوم ، لألقيت حبلها على غاربها ، ولسقيت آخرها بكأس أولها ، ولألفيتم دنياكم هذه أهون عندي من عفطة عنز . قالوا : وقام إليه رجل من أهل السواد عند بلوغه إلى هذه الموضع من خطبته ، فناوله كتابا ، فأقبل ينظر فيه ، فلما فرغ من قراءته قال له ابن عباس رحمة الله عليه : يا أمير المؤمنين لو اطردت مقالتك [1] من حيث أفضيت ، فقال : هيهات يا بن عباس تلك شقشقة هدرت ثم قرت ، قال ابن عباس : فوالله ما أسفت على كلام قط كأسفي على هذا الكلام ألا يكون أمير المؤمنين عليه السلام بلغ منه حيث أراد [2] .
[1] في النهج : خطبتك . [2] نهج البلاغة ص 48 - 50 ، رقم الخطبة : 3 .