ثم يصف فجيعة المجتمع الاسلامي في الظل الأموي الثقيل : ( والله لا يزالون حتى لا يدعوا لله محرما إلا استحلوه ، ولا عقدا إلا حلوه ) ، وستعم المأساة المدن والبوادي : ( حتى لا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا دخله ظلمهم . ويبدأ زمن البكاء : ( وحتى يقوم الباكيان يبكيان : باك يبكي لدينه ، وباك يبكي لدنياه ) . والامام وهو يستشرف المستقبل بهذا الوضوح ويصوره بهذه البلاغة المؤثرة ، قد احتاط لجثمانه الطاهر ولا شك بوصية شخصية مؤكدة على دفنه ليلا وفي ظروف بالغة السرية حتى أنه لم يشهد المراسم إلا أقرب المقربين من أنصاره والسائرين على خطه . ومنذ سنة 40 للهجرة ظل القبر وهو في الكوفة أو ضواحيها سرا لا يعرفه إلا أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وممن حملوا الأمانة واستمر الوضع حتى اشتعال الثورة التي حملت شعار الرضا من آل محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وذلك سنة 132 حيث بدأ الحديث علنا عن مكان القبر في منطقة النجف الأشرف . وقد أصبح مزارا لمدة محدودة جدا حيث عاد إلى الاختفاء مرة أخرى وأمحت معالمه بسبب انفجار الصراع بين العلويين والعباسيين وخشية الناس انتقام السلطة العباسية ، وقد ساعد على ذلك أيضا وقوع القبر في واد منخفض فكان عرضة للسيول وهبوب الرياح . وقد ظل القبر كربوة من ربى الوادي وأكماته في تلك الأرض الموحشة الخالية من أي اثر للزراعة والحضارة . حتى إذا أطل عام 179 ه شاء الله أن يظهر كرامة عبده الصالح على يد الخليفة العباسي هارون الرشيد وذلك في رحلة صيد وردت قصتها في كتب التأريخ .