فرأيت أحمال شوك تمر في الطريق فقلت : على بذلك الشوك . فأتيت به فطرحته في تلك الوهدة فاستقر حتى انخسفت الثانية ، فقلت : على بألواح الساج . فطرحتها على موضع قبره ثم طرح التراب عليها وانصرفت إلى الرشيد فعرفته ذلك فأمرني بتخلية يحيى بن عبد الله وأحضروه وسأله : لم عدلت عن اليمين المتعارفة بين الناس ؟ قال : لأنا روينا عن جدنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال : من حلف بيمين مجد الله فيها استحيى الله من تعجيل عقوبته ، وما من أحد حلف بيمين كاذبة نازع الله فيها حوله وقته إلا عجل الله تعالى له العقوبة قبل ثلاثة . ويروى أن عبد الله بن مصعب لما حلف اليمين المذكورة لم يتمها حتى اضطرب وسقط لجنبه واخذوا برحله وهلك ، ثم إن الرشيد صبرا أياما وطلب يحيى واعتقل عليه فأحضر يحيى أمانه فأخذه الرشيد وسلمه إلى أبى يوسف القاضي فقرأه وقال : هذا الأمان صحيح لا حيلة فيه . فاخذه أبو البختري من يده وقرأه ثم قال هذا أمان فاسد من جهة كذا وكذا . وأخذ يذكر شبها فقال له الرشيد : فخرقه فأخذ السكين فخرقه ويده ترعد حتى جعله سيورا . وأمر بيحيى إلى السجن فمكث فيه أياما ثم أحضره وأحضر القضاة والشهود ليشهدوا على أنه صحيح لا بأس به ويحيى ساكت لا يتكلم ، فقال له بعضهم : مالك لا تتكلم ؟ فأومى إلى فيه : أنه لا يطيق الكلام . فأخرج لسانه وقد اسود ، فقال الرشيد : هو ذا يوهمكم انه مسموم . ثم أعادة إلى السجن فلم يعرف بعد ذلك خبره ، فقيل إنه قتله جوعا وإنه وجد في بركة عاضا على حمئة وطين . وقال شيخ الشرف العبيدلي بن الرشيد عليه أسطوانة . وقيل حبسة في دار السندي بن شاهك في بيت نتن وردم عليه الباب حتى مات ، ويقال إنه القى في بركة فيها سباع قد جوعت فلاذت به وهابت الدنو منه . فبنى عليه ركن بالجص والحجر وهو حي وفى غدر الرشيد بيحيى يقول أبو فراس الحارث بن سعيد بن حمدان من قصيدة يعد فيها مساوى بنى العباس : يا جاهدا في مساويهم يكتمها * غدر الرشى بيحيى كيف ينكتم ؟ .