قد شذ عن هذه الفكرة ولم يرض أن يستولي على الحكم بالنعرة العصبية ، وهو الذي اتبع الرسول في حربه للعصبية اتباع الفصيل أثر أمه ، فهو يريدها دينية قرآنية لا قبلية جاهلية ، ويطلب أنصارا من قبيل سلمان وأبي ذر وعمار ونظرائهم ممن يحدوهم المبدأ والعقيدة إلى نصرته [1] ، ويأبى قبول نصرة أبي سفيان بداعي العصبية فإن فيه إحياء أمر الجاهلية ، وإماتة حكم الاسلام . إذا فإن أبا سفيان كان صادقا في تعصبه لعلي ، غير أن نقلة الأحاديث وكتبة التاريخ لما كرهوا موقفه من بيعة أبي بكر ، وصموه بأنه طالب فتنة ، كما طعنوا في غيره من معارضي أبي بكر ووصموهم بالردة والفتنة . ومن العجيب أنهم وضعوا ما وصموا به أبا سفيان على لسان علي نفسه ، فقد رووا أن عليا عندما قال له أبو سفيان : " ما بال هذا الامر في أقل حي من قريش ، والله لئن شئت لأملأنها خيلا ورجالا . قال : يا أبا سفيان طالما عاديت الاسلام وأهله فلم تضره بذلك شيئا ، إنا وجدنا أبا بكر لها أهلا [2] " . ولا نعلم لم لم يجبه أبو سفيان ويقول له فلم لا تبايعه [3] إن كنت قد وجدته لها أهلا !
[1] وقد قصد هذا في قوله لأبي سفيان لو وجدت أربعين ذوي عزم لناهضتهم " . [2] الطبري 2 ص 449 وفي ط . أوروبا 1 / 1827 . هذه الرواية عن عوانة ، وفي لسان الميزان 4 / 386 ، كان يضع الأحاديث . وراجع آدم متز : الحضارة الاسلامية 1 / 38 ، ثم إن عوانة قد توفي سنة 158 ه وروى هذه الرواية عن سنة 11 ه بلا سند . [3] راجع قبله موقف علي من بيعة أبي بكر ص 123 - 143 .