فلما لم يجدوا عندي إلا المحجة البيضاء [1] والحمل على كتاب الله جل ذكره وسنة رسول الله صلوات الله عليه وآله ، وإعطاء كل امرئ ما جعله الله عز وجل له . شكك القوم مشكك [2] فأزالها [3] إلى ابن عفان طمعا في الشحيح معه فيها ، وابن عفان رجل لم يستوبي [4] ، ولا بواحد ممن حضر فضيلة من الفضائل ولا مأثرة من المآثر . ثم لا أعلم القوم ما أمسوا في يومهم ذلك حتى ظهرت ندامتهم ، ونكصوا على أعقابهم ، وأحال بعضهم على بعض كل يلوم نفسه ويلوم أصحابه . ثم لم تطل الأيام بالسفير لابن عفان حتى كفره ، ومشى إلى أصحابه خاصة ، وأصحاب محمد عامة يستقيلهم من بيعته ويتوب إلى الله من ( فتنته ) [5] . وكانت هذه أكبر من أختيها ، وأفظع ، وأخرى أن لا يصبر عليها ، فلم يكن عندي فيها إلا الصبر ، ولقد أتاني الباقون من الستة من يومهم الذي عقدوا فيه لابن عفان ما عقدوه ، وكل راجع عنه ، يسألني خلع ابن عفان ، والقيام في حقي ، ويعطيني صفقته وبيعته على الموت تحت رايتي : أو يرد الله إلي حقي ، وبعد ذلك مرارا كثيرة فيأتوني في ذلك وغيرهم ، فوالله ما منعني منها إلا ما منعني من أختيها قبلها ، ورأيت الابقاء على من بقي أبهج بي وأسر .
[1] اي : الدليل القاطع . [2] وفي الاختصاص ص 168 : شد من القوم مستبد فأزالها . [3] إشارة إلى بيعة عبد الرحمان بن عوف لعثمان . [4] وفي الخصال والاختصاص : لم يستو به . [5] وفي الأصل : فثنته