القوم كأنهم زبانية مالك في ضيق المسالك فلما دنى من يزيد وكان على وجهه أثر ضربة إذا تكلم كان جهير الصوت وهو جالس فلم يسلم عليه وقال : من هذا الغيشوم الميشوم والمشؤم ابن المشؤم الواسع الحلقوم طويل الخرطوم ؟ فقال الواقف : يا أعرابي هذا ابن الأمير يزيد فقال : ومن يزيد لا أراد الله مراده ولا بلغه مراده ، ومن أبوه ؟ كانا قدما غائصين في بحر الجلافة واليوم استويا على سرير الخلافة فسمع ذلك يزيد فاستشاط غيظا وغظبا . وهم ان يضربه أو يقتله ثم خاف أن يحدث أمرا دون اذن أبيه فكظم غيظه واخبأ ناره فسلم عليه ، وقال له : مرحبا بك يا أعرابي ان أمير المؤمنين يسلم عليك ويقرئك السلام فقال الطرماح : سلامه معي من الكوفة قال يزيد : ما شئت قل فقد أمرني بقضاء حاجتك . قال : حاجتي إليه ان يقوم من مقامه حتى يجلس من هو أولى منه بهذا الامر قال : ثم ماذا تريد ؟ قال : أريد الدخول عليه فأمر يزيد برفع الحجاب وأدخله على معاوية فلما دخل عليه الطرماح وهو منتعل قال له : اخلع نعليك فالتفت يمينا وشمالا فقال : هذا وادي المقدس فاخلع نعلي فنظر وإذا معاوية قاعد على سريره . فقال له : السلام عليك أيها الملك العاصي فقال عمرو بن العاص : ويحك يا أعرابي لم لا تسلم على أمير المؤمنين ؟ فقال : ثكلتك أمك نحن المؤمنون فمن أمره علينا بالخلافة والله لا أعرف أمير المؤمنين غير سيدي علي بن أبي طالب فقال معاوية : ما معك يا أعرابي ؟ قال : كتاب مختوم من امام معصوم قال : ناولينه قال : أكره ان أطأ بساطك فقال : ناوله وزيري هذا وأشار إلى عمرو بن العاص فقال هيهات ظلم الأمير وخان الوزير فقال ناوله ولدي يزيد فقال : ما فرحنا بإبليس فكيف نفرح بأولاده ؟ فقال ناوله مملوكي وأشار إلى غلام له قائم على رأسه فقال : مملوك اشتريته من غير حل وتستعمله في غير حق ، وان امامي أوصاني ان لا أسلمه إلا بيدك فقال : ويحك يا أعرابي فما الحيلة في أخذ الكتاب منك ؟ قال الحيلة ان تقوم من مقامك صاغرا حقيرا وتأخذه مني بيدك ، وترجع إلى مكانك لأنه كتاب رجل كريم ، وسيد عظيم وحر حليم ، وهو بالمؤمنين رؤوف رحيم فلما سمع وثب من مكانه وأخذ منه الكتاب مغضبا ، ورجع إلى مكانه وفضه وقرأه وفهم معناه . ثم قال يا اعرابي كيف خلفت علي بن أبي طالب ؟ قال : خلفته يحمد الله كالبدر الطالع حواليه أصحابه كالنجوم الزواهر إذا أمرهم ابتدروا إليه ، وإذا نهاهم عن شر انتهوا