نام کتاب : سنن النبي ( ص ) ( مع ملحقات ) نویسنده : السيد الطباطبائي جلد : 1 صفحه : 69
ومن ذلك ما حكاه عن سليمان ( عليه السلام ) في قصة النملة بقوله : " حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون * فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين " [1] . ذكرته النملة بما قالته ماله من الملك العظيم الذي شيدت أركانه بتسخير الريح تجري بأمره ، والجن يعملون له ما يشاء ، والعلم بمنطق الطير وغيره ، غير أن هذا الملك لم يقع في ذكره ( عليه السلام ) في صورة أجلى أمنية يبلغها الإنسان كما فينا ولم ينسه عبوديته ومسكنته ، بل إنما وقع في نفسه في صورة نعمة أنعمها عليه ربه فذكر ربه ونعمته التي أنعمها عليه وعلى والديه بما خصهم به ، وهو من مثله ( عليه السلام ) والحال هذا الحال أفضل الأدب مع ربه . وقد ذكر نعمة ربه ، وهي وإن كانت كثيرة في حقه غير أن مورد نظره ( عليه السلام ) - والمقام ذاك المقام - هو الملك العظيم والسلطة القاهرة ، ولذلك ذكر العمل الصالح وسأل ربه أن يوزعه ليعمل صالحا ، لأن العمل الصالح والسيرة الحسنة هو المطلوب ممن استوى على عرش الملك . فلذلك كله سأل ربه أولا أن يوزعه على شكر نعمته ، وثانيا أن يعمل صالحا ، ولم يرض بسؤال العمل الصالح دون أن قيده بقوله : " ترضاه " فإنه عبد لا شغل له بغير ربه ، ولا يريد الصالح من العمل إلا لأن ربه يرضاه ، ثم تمم مسألة التوفيق لصلاح العمل بمسألة صلاح الذات فقال : " وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين " . ومن ذلك ما حكاه الله عن يونس ( عليه السلام ) وقد دعا به وهو في بطن الحوت الذي التقمه قال تعالى : " وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " [2] .