نام کتاب : سنن النبي ( ص ) ( مع ملحقات ) نویسنده : السيد الطباطبائي جلد : 1 صفحه : 52
أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير " [1] . يسأل ربه أن يتخذ أرض مكة - وهي يومئذ أرض قفرة وواد غير ذي زرع - حرما لنفسه ليجمع بذلك شمل الدين ، ويكون ذلك رابطة أرضية جسمانية بين الناس وبين ربهم يقصدونه لعبادة ربهم ، ويتوجهون إليه في مناسكهم ، ويراعون حرمته فيما بينهم ، فيكون ذلك آية باقية خالدة لله في الأرض يذكر الله كل من ذكره ، ويقصده كل من قصده ، وتتشخص به الوجهة ، وتتحد به الكلمة . والدليل على أنه ( عليه السلام ) يريد بالأمن الأمن التشريعي الذي هو معنى اتخاذه حرما دون الأمن الخارجي من وقوع المقاتلات والحروب وسائر الحوادث المفسدة للأمن المخلة بالرفاهية قوله تعالى : " أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شئ " [2] فإن في الآية امتنانا عليهم بأمن الحرم وهو المكان الذي احترمه الله لنفسه ، فاتصف بالأمن من جهة ما احترمه الناس لا من جهة عامل تكويني يقيه من الفساد والقتل ، والآية نزلت وقد شاهدت مكة حروبا مبيدة بين قريش وجرهم فيها ، وكذا من القتل والجور والفساد ما لا يحصى ، وكذا قوله تعالى : " أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم " [3] أي لا يتخطفون في الحرام لاحترام الناس إياه لمكان الحرمة التي جعلناها . وبالجملة : كان مطلوبه ( عليه السلام ) هو أن يكون لله في الأرض حرم تسكنه ذرية ، وكان لا يحصل ذلك إلا ببناء بلد يقصده الناس من كل جانب فيكون مجمعا دينيا يؤمونه بالسكونة واللواذ والزيارة إلى يوم القيامة فلذلك سأل أن يجعله بلدا آمنا ، وقد كان غير ذي زرع فسأل أن يرزقهم من الثمرات حتى يعمر بسكانه ولا يتفرقوا منه . ثم لما أحس أن دعاءه بهذا التشريف يشمل المؤمن والكافر قيد مسألته بإيمان المدعو لهم بالله واليوم الآخر فقال : " من آمن منهم بالله واليوم الآخر " وأما