بهم ، وتعذّرتْ خبرتهم باطناً . وأكثرُ العامّة أو كلُّهم يقبلُه ، وعليه عملُهم في كُتُبهم المشهورة ، قالوا : لأنّ أمرَ الأخبار مبنيٌّ على حُسْن الظنّ بالمُسلم ، ونشر الحديث مطلوبٌ ، ومعرفة الباطن متعذّرةٌ . الثاني : قال بعضُ العامّة : " المجهولُ عند أهل الحديث مَنْ لم يعرفه العلماءُ ، ولا يُعرَفُ حديثُه إلاّ من جهة واحدة " ( 1 ) . وقال بعضُهم : " مَنْ روى عنه اثنان عيّناهُ ، ارتفعت الجهالةُ عن عينه " ( 2 ) . وكلُّ ذلك ليس عندنا بشيء ، والمَجهُول عندنا : مَنْ لم يُوثَّقْ ، ولم يُضَعَّفْ ، ولم يُمْدَحْ ؛ وإنْ روى عنه الناسُ وعُلِمَت نسبتُه واسمُه . نعم ، إذا عُلِمَ صحّةُ عقيدته ارتفعتْ جهالتُه من هذه الحيثيّة ، وكان ذلك نوعاً من المدح ، فربّما دَخَلَ في قسم الحَسَن ، وكذا إذا روى عنه الناسُ ، وله كتابٌ ، ونحو ذلك . وبالجملة ، مراتبُ المجهول تتفاوتُ كتفاوت الموثَّق والممدوح والضعيف . الثالث : تُقبَلُ روايةُ التائب من الفِسْق ، إلاّ الكذب في أحاديث الرسُول ، فلا تُقْبَلُ أبداً وإنْ تابَ . كذا قاله بعضُ العامّة ( 3 ) . وهو مخالفٌ لقواعد مذهبنا ، ومذهب العامّة أيضاً ، والأقوى : القبولُ ، وأنّه لا فرقَ بينَه وبينَ الشهادة . الرابع : إذا روى حديثاً عن رجل ، ثمّ نفاهُ المرويُّ عنه ، فإنْ كان جازماً بنفيه وَجَبَ ردُّه ، ولا يقدحُ ذلك في باقي رواياته عنه ولا عن غيره وإن كان مكذِّباً لشيخه في ذلك ؛ إذ ليس قبولُ جرح شيخه له بأولى من قبول جرحه لشيخه ؛ فتساقطا . كذا قيل . وفيه نظر . وإنْ قال المرويُّ عنه : " لا أعرفُه " أو " لا أذكُرُه " أو نحو ذلك ، لم يقدح .
1 . قاله الخطيب البغدادي في الكفاية في علم الرواية : 88 ؛ وحكاه عنه في مقدّمة ابن الصلاح : 90 . 2 . قاله ابن الصلاح في مقدّمته : 90 . 3 . قاله ابن الصلاح في مقدّمته : 91 ، وحكاه أيضاً عن جماعة .