العلماء . فقال له : ويحك ! هذه نصيحة ؛ ليس هذا غِيبَة ( 1 ) . وهذا أمر واضح لا مِرْيةَ فيه ، بل هو من فروض الكفايات ، كأصل المعرفة بالحديث . ( نعم ، يجب على المتكلّم في ذلك التثبُّت ) في نظره وجرحه ؛ ( لئلاّ يقدح في ) بريء ( غير مجروح بما ظنّه جرحاً ) فيجرح سليماً ، ويَسِمَ بريئاً بِسِمةِ سُوء تُبقي عليه الدهرَ عارَها . ( فقد أخطأ في ذلك غيرُ واحد ) فطعنوا في أكابر من الرواة استناداً إلى طعن وَرَدَ فيهم له محْمَلٌ ، أو لا يثبت عنهم بطريق صحيح . ومن أراد الوقوف على حقيقة الحال فليُطالع كتاب الكشّي ( رحمه الله ) في الرجال . ( وقد كفانا السلف ) الصالح من العلماء بهذا الشأن ( مؤنة الجرح والتعديل غالباً ) في كتبهم التي صنّفوها في الضعفاء ، كابن الغضائري ، أو فيهما معاً كالنجاشي ، والشيخ أبي جعفر الطوسي ، والسيّد جمال الدين أحمد بن طاووس ، والعلاّمة جمال الدين بن المطهّر ، والشيخ تقيّ الدين بن داود ، وغيرهم . ( ولكن ينبغي للماهر ) في هذه الصناعة ومَنْ وهَبه الله تعالى أحسنَ بِضاعة ( تدبّر ما ذكروه ) ومراعاة ما قرّروه ( فلعلّه يظفر بكثير ممّا أهملوه ، ويطّلع على توجيه ) في المدح والقدح قد ( أغفلوه ) ، كما اطّلعنا عليه كثيراً ، ونبّهنا عليه في مواضع كثيرة وضعناها على كتب القوم ، ( خصوصاً مع تعارض الأخبار في الجرح والمدح ) فإنّه وقع لكثير من أكابر الرُواة . وقد أودعه الكشّي في كتابه من غير ترجيح ، وتَكَلَّم من بَعْدَه في ذلك ، واختلفوا في ترجيح أيّهما على الآخر اختلافاً كثيراً . فلا ينبغي لمن قدر على البحث تقليدهم في ذلك ، بل يُنفِقُ ممّا آتاه الله تعالى ، فلكلّ مجتهد نصيب ؛ ( فإنّ طريق الجمع بينهما ملتبس على كثير ، حَسَبَ
1 . حكاه الخطيب البغدادي في الكفاية : 45 باب وجوب تعريف المزكّي ما عنده من حال المسؤول عنه ؛ وفتح المغيث 4 : 356 .