قال الشيخ حسن بن زين الدين ولد الشهيد الثاني في المنتقى بعد نقل كلام السيّد المرتضى : وغير خاف أنّه لم يبقَ لنا سبيل إلى الاطّلاع على الجهات الّتي عرفوا منها ما ذكروا ؛ حيث حظوا بالعين وأصبح حظّنا الأثر ، وفازوا بالعيان وعوّضنا عنه بالخبر ، فلا جرم انسدّ عنّا باب الاعتماد على ما كانت لهم أبوابه مشرعة ، وضاقت علينا مذاهب كانت المسالك لهم فيها متّسعة . ولو لم يكن إلاّ انقطاع طريق الرواية عنّا من غير جهة الإجازة الّتي هي أدنى مراتبها لكفى به سبباً لإباء الدراية على طالبها . ( 1 ) وقال الشيخ الطوسي في العدّة : إنّي وجدتها [ الفرقة المحقّة ] مجمعة على العمل بهذه الأخبار التي رووها في تصانيفهم ودوّنوها في أُصولهم ، لا يتناكرون ذلك ولا يتدافعونه ، حتى أنّ واحداً منهم إذا أفتى بشيء لا يعرفونه سألوه : من أين قلت هذا ؟ فإذا أحالهم على كتاب معروف أو أصل مشهور ، وكان راويه ثقة لا ينكر حديثه سكتوا وسلّموا الأمر في ذلك وقبلوا قوله . وهذه عادتهم وسجّيتُهم من عهد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ومَن بعده من الأئمّة ( عليهم السلام ) ، ومن زمن الصادق جعفر بن محمّد ( عليهما السلام ) الذي انتشر العلم عنه وكثرت الرواية من جهته . ( 2 ) وأمّا أهل السنّة والجماعة فلمّا كانوا يعتمدون على السنّة المحكيّة عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) اهتمّوا بضبطه وكتابته وتدوينه ؛ خوفاً من ضياعه بعدما كان اعتمادهم أوّلا على الحفظ والضبط في القلوب ؛ لأنّهم نهوا عن كتابة الحديث من قِبَل بعض الخلفاء . ( 3 ) وقد أمر عمر بن عبد العزيز بكتابة حديث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؛ خوفاً من دروس العلم وذهاب العلماء . ( 4 )
1 . منتقى الجمان 1 : 3 . 2 . عدّة الأُصول 1 : 337 - 338 . 3 . كنز العمّال 10 : 291 - 292 / 29472 - 29477 . 4 . صحيح البخاري 1 : 49 باب 34 من كتاب العلم .