محتجّين بعدم الدليل الدالّ على وجوب العمل به ، وإذا لم يقمْ دليلٌ على وجوب العمل لم يعمل به ، كما أنّه لم يقمْ دليلٌ على وجوب صلاة سادسة . قالوا : وما نقلتموهُ من أنّ الصحابةَ ومَنْ بعدَهم كانوا يعملون بأخبار الآحاد ، فهي أيضاً أخبارُ آحاد لا تُفيد عِلماً ، والعملُ بخبر الواحد مسألةٌ أُصوليّة ، ولا يجوزُ أن يكون مُستندُها ظنّاً ، فكيفَ تعلمون أنّ اللهَ تعبَّدكُمْ بالعمل بخبر الواحد ؟ ! وبعد تسليم صدق هذه الأحاديث إنّما عُلِمَ لكم أنّ الصحابةَ عَمِلُوا عندَها لا بها ، فجازَ أنْ يكونُوا تذكَّرُوا بها نَصّاً ، أو تأيّدَ بها عندَهم دليلٌ آخَرُ ، فالتساوي حاصِلٌ ، والشَكُّ والتَوَقُّفُ ( 1 ) فرضُ مَنْ فَقَدَ الدليلَ القاطعَ . والأقوى الأوّل ، وفي ما ذكرناه سابقاً مقنعٌ ، وما ذكره ( رحمه الله ) كالمغالَطة على المَعْلُوم ، والأدلّةُ من الجانبين مستوفاةٌ في الأُصول . أصْلٌ في مَنْ تُقْبل روايتُه أجمع جماهيرُ الفقهاء والمحدّثين على اشتراط كونه مسلماً بالغاً وقتَ الأداء دونَ وقت التحمُّل ؛ فتقبلُ روايَةُ ما تحمّلَه كافراً أو صغيراً . وكذا يُشترطُ كونُه عاقلا ، عدلا - أي سليماً من الفسق وخوارم المُروءَة - ضابِطاً ، أو مُتيقِّظاً إنْ حَدَّثَ من حفظه ، ضابِطاً لكتابِه إنْ حَدَّثَ منه ، عالماً بما يُحيلُ المعنى إنْ روى به ، سالِماً من الشكّ وقتَ التحمُّل والأداء . ولا تُشترطُ الذكورةُ ، ولا الحريّةُ ، ولا البَصَرُ ، ولا فِقْهُهُ ، ولا عَرَبِيّتُهُ ، ولا العَدَدُ . والمشهُور بينَ أصحابنا اشتراطُ إيمانِه ؛ لأنّ مَنْ عدا المؤمن فاسِق . وما عملوا به من أخبار غيره إمّا لانجباره بالشُهرة ، وقد تقدّمَ الكلام فيها ، وإمّا لاعتضاده ببعض المرجّحات ، وحينئذ المناسب اشتراط أحد الأمرين من الإيمان والعدالة ، أو الانجبار بمرجّح .
1 . كذا في بعض النسخ ، وفي المخطوطة المعتمدة : " والتوفّق " .