في الرواية كذلك ، فإنّه لا يقبلُ روايتَهم مطلقاً ، وقَبِلَ شهادتَهم للضرورة صيانةً للحقوق ؛ إذ أكثرُ معاملاتِهم لا يحضرُها مسلِمانِ . ( وبلوغه ) عند أدائها ، كذلك . ( وعقله ) فلا تقبل رواية الصبيّ والمجنون مطلقاً ؛ لارتفاع القَلَم عنهما ( 1 ) الموجب لعدم المؤاخذة ، المقتضي لعدم التحفّظ من ارتكاب الكذب على تقدير تمييزه ، ومع عدمه لا عِبْرةَ بقوله . ( وجمهورهُم على اشتراط عدالته ) ؛ لما تقدّم من الأمر بالتثبّت عندَ خبرِ الفاسق ، فصارَ عدمُ الفسق شرطاً لقبول الرواية ، ومع الجهل بالشرط يتحقّق الجهلُ بالمشروط ، فيجب الحكم بنفيه حتّى يُعلم وجود انتفاء التثبُّت . كذا استدلّوا عليه . وفيه نظر ؛ لأنّ مقتضى الآية كون الفسق مانعاً من قبول الرواية ، فإذا جُهِلَ حالُ الراوي لا يصحُّ الحكمُ عليه بالفسق ، فلا يجبُ التثبُّت عند خبره بمقتضى مفهوم الشرط . ولا نسلّم أنّ الشرطَ عدمُ الفسق ، بل المانعُ ظهورُه ، فلا يجبُ العلمُ بانتفائه حيثُ يُجهل . والأصل عدمُ الفسق في المسلم ، وصحّة قوله . وهذا بعضُ آراء شيخِنا أبي جعفر الطوسي ؛ فإنّه كثيراً ما يقبل خبر غير العدل ، ولا يبيّنُ سببَ ذلك . ومذهبُ أبي حنيفة قبولُ رواية المجهول الحال ؛ محتجّاً بنحو ذلك ، وبقبول قوله في تذكية اللحم وطهارة الماء ورِقّ الجارية ( 2 ) . والفرقُ بينَ ما ذُكر وبينَ الرواية واضحٌ . وليس المراد من العدالة كونه تاركاً لجميع المعاصي ، بل ( بمعنى كونه سليماً من
1 . الخصال : 94 / 40 باب الثلاثة : " القلم رفع عن ثلاثة : عن الصبي حتّى يحتلم ، وعن المجنون حتّى يفيق ، وعن النائم حتّى يستيقظ " . 2 . فتح المغيث 2 : 51 - 56 ؛ وعزاه في مقدّمة ابن الصلاح : 53 إلى بعض الشافعيّين منهم سُلَيْم بن أيّوب الرازي ؛ وحكاه عن بعض أهل العراق الغزالي في المستصفى من علم الأُصول : 125 وذكر أدلّته في صفحة 126 .