الفقهاء ( ولا يملكُ القيامَ به إلاّ المحقّقون من أهل البصائر ) ؛ الغوّاصون على المعاني والبيان ؛ ( المتضلّعون ) أي المُكثرون بقوّة ( من الفقه والأُصول ) الفقهيّة . ( وقد صنّف فيه الناسُ ) كثيراً ، وأوّلُهم الشافعيّ ( 1 ) ، ثمّ ابن قُتيبة ( 2 ) ، ومن أصحابنا : الشيخ أبو جعفر الطوسي كتاب الاستبصار في ما اختلف من الأخبار . ( وجمعوا ) بينَ الأحاديث ( على حَسَب ما فهموه ) منه ( وقلّما يتّفق ) فهمان على جمع واحد . ومن أرادَ الوقوفَ على جليّة الحال فليُطالع المسائل الفقهيّة الخلافيّة التي وردَ فيها أخبار مختلفة يطّلع على ما ذكرناه . ( وسادس عشرها : الناسِخُ والمنسوخ ) فإنّ من الأحاديث ما ينسخُ بعضُها بعضاً ، كالقرآن . ( والأوّل ) وهو الناسخ : ( ما ) أي حديثٌ ( دلّ على رَفْع حكم شرعيٍّ سابق ) . والحديث المدلول عليه ب " ما " بمنزلة الجنس يشمل الناسِخَ وغيره ، ومع ذلك خرجَ به ناسخُ القرآن . و " الحكم المرفوع " شامل للوجودي والعدمي . وخرجَ ب " الشرعي " الذي هو صفةُ الحكمِ ، الشرعُ المبتدأُ بالحديث ؛ فإنّه يُرفع به الإباحة ( 3 ) الأصليّة لكن يُسمّى شرعيّاً . وخرج ب " السابق " الاستثناء ، والصفة ، والشرط ، والغاية الواقعة في الحديث ؛ فإنّها قد ترفع حكماً شرعيّاً لكن ليس سابقاً . ( والثاني ) وهو المنسوخُ : ( ما رُفِعَ حكمُه الشرعي بدليل شرعي متأخّر عنه ) وقيودهُ تُعلَم بالمقايسة على الأوّل .
1 . مختلف الحديث للإمام الشافعي ، طبع حاشيةً على كتابه الأُمّ . 2 . تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة . 3 . في حاشية المخطوطة : " لأنّ دليل الإباحة على القول بها عقلي ، وهو عدم تضرّر المالك - وهو الله تعالى - به ، وعدم حاجته إليه ، كما يباح الاستظلال بحائط الغير عقلا ، كما هو مقرّر في الأُصول . ( منه ) " .