بالنسبة إلى الشيعة الاثني عشرية فلم يشعروا بالحاجة إلى علم الدراية ؛ وذلك بسبب وجود الأئمّة المعصومين ( عليهم السلام ) بين ظهرانيهم ؛ إذ كانوا ينهلون عنهم الأحكام والأحاديث وهم في مأمن من خطر تسرّب الوضع أو التحريف أو الكذب إليها . وبعد غياب المعصومين ( عليهم السلام ) ، كان وجود الأُصول الحديثيّة الأربعة عند الشيعة ، واطمئنان علمائهم إليها وثقتهم بها ، سبباً لشعورهم بالاستغناء عن التوجّه نحو بحوث علم الدراية . ومن هنا لم تدعُ الحاجة إلى بحوث هذا العلم بين الشيعة إلاّ بعد مدّة من انتهاء وجود المعصوم . أوّل من كَتَبَ في الدراية هناك اختلاف في وجهات النظر حول أوّل من كتب في الدراية من الشيعة : فقد ذهب المرحوم السيّد حسن الصدر إلى أنّ أوّل عالم شيعي ألّف كتاباً في الدراية هو الحاكم النيشابوري ( 405 ه ) ، فقد قال في كتابه " تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام " : " إنّ أوّل من دوّن علم دراية الحديث هو أبو عبد الله الحاكم النيشابوري الإمامي الشيعي " . ( 1 ) وتجدر الإشارة إلى أنّ مسألة انتماء الحاكم النيشابوري إلى المذهب الشيعي غير متّفق عليها ، وثمّة شكوك حولها . واعتبر السيّد عبد العزيز الطباطبائي أنّ أوّل مؤلّف شيعي في هذا العلم هو القطب الراوندي ( 573 ه ) بسبب تأليفه " رسالة في صحّة أحاديث أصحابنا " ، وكتب في هذا المجال : " . . . ولهذا يعدّ القطب الراوندي أوّل من ألّف من أصحابنا في علم الدراية . . . " . ( 2 ) ويذهب جماعة من الباحثين إلى أنّنا لو لم نعتبر الحاكم النيشابوري من علماء الشيعة ، فإنّ أوّل مؤلّف شيعي في هذا العلم هو جمال الدين أحمد بن موسى بن
1 . تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام : 294 . 2 . تراثنا ، العدد 38 و 39 : 273 .