فقال له : إنه كان بيننا وبين قومنا حرب ، وقد جئناك نطلب الحلف عليهم ، فقال له عتبة ، بعدت دارنا عن داركم ، ولنا شغل لا نتفرغ لشئ ، قال : وما شغلكم وأنتم في حرمكم وأمنكم ؟ قال له عتبة : خرج فينا رجل يدعي أنه رسول الله ، سفه أحلامنا ، وسب آلهتنا ، وأفسد شبابنا ، وفرق جماعتنا ، فقال له أسعد : من هو منكم ؟ قال : ابن عبد الله بن عبد المطلب ، من أوسطنا شرفا وأعظمنا بيتا . وكان أسعد وذكوان وجميع الأوس والخزرج ، يسمعون من اليهود ، الذين كانوا بينهم ، النضير [1] وقريضة [2] وقينقاع [3] : أن هذا أوان نبي يخرج بمكة ، يكون مهاجره بالمدينة ، لنقتلنكم به يا معشر العرب . فلما سمع ذلك أسعد ، وقع في قلبه ما كان سمعه من اليهود ، قال : فأين هو ؟ قال : هو جالس في الحجر ، وأنهم لا يخرجون من شعبهم ، إلا في الموسم . فلا تسمع منه ، ولا تكلمه ، فإنه ساحر ، يسحرك كلامه ، وكان هذا في وقت محاصرة بني هاشم في الشعب ، فقال له أسعد : فكيف أصنع وأنا معتمر ؟ لا بد لي أن أطوف بالبيت ، قال : ضع في أذنيك القطن فدخل أسعد المسجد وحشى أذنيه بالقطن فطاف بالبيت ورسول الله صلى الله عليه وآله جالس في الحجر مع قوم من بني هاشم : فنظر إليه نظرة فجازه ، فلما كان في الشوط الثاني قال في نفسه : ما أحد أجهل مني أيكون مثل هذا الحديث بمكة فلا أتعرفه حتى أرجع إلى قومي فأخبرهم ثم أخذ القطن من أذنيه ، ورمى به ، وقال لرسول الله صلى الله عليه وآله : أنعم صباحا ، فرفع رسول الله
[1] النضير : قبيلة يهودية سكنت يثرب بالقرب من المدينة ، نكثوا عهدهم مع النبي صلى الله عليه وآله بعد أن حالفوه فحاصرهم في معقلهم ، ثم نفاهم وصادر أملاكهم ووزعها على المهاجرين . [2] قريظة ( بضم القاف وفتح الراء ) قبيلة يهودية من يثرب قاوموا النبي صلى الله عليه وآله في هجرته إلى المدينة ، فحاصرهم في معاقلهم ، وأعمل فيهم السيف إلا أربعة من رجالهم اعتنقوا الاسلام . [3] قينقاع ( بفتح القاف وضم النون ) : من قبائل اليهود الثلث في يثرب ، حاصره النبي صلى الله عليه وآله فرموا سلاحهم ونزحوا إلى وادي القرى ومنها إلى أذرعات .