البكر [1] ، وإذا له رغاء فابذعر [2] الصبح ، وهم في عرج الدار [3] من خلفه ، وشد عليهم علي عليه السلام بسيفه يعني سيف خالد ، فأجفلوا [4] أمامه إجفال النعم إلى ظاهر الدار وتبصروه ، وإذا هو علي عليه السلام قالوا : إنك لعلي ؟ قال : أنا علي قالوا : فإنا لم نردك فما فعل صاحبك ، قال : لا علم لي به . وقد كان علم ، يعني عليا عليه السلام ، أن الله تعالى قد أنجى نبيه صلى الله عليه وآله بما كان أخبره من مضيه إلى الغار واختبائه فيه فأذكت [5] قريش عليه العيون ، وركبت في طلبه الصعب والذلول . وأمهل علي صلوات الله عليه ، حتى إذا أعتم [6] من الليلة القابلة ، انطلق هو وهند بن أبي هالة حتى دخلا على رسول الله صلى الله عليه وآله في الغار ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله هندا أن يبتاع له ولصاحبه بعيرين . فقال أبو بكر : قد كنت أعددت لي ولك يا نبي الله راحلتين نرتحلهما إلى يثرب ، فقال : إني لا آخذهما ولا أحدهما إلا بالثمن ، قال : فهي لك بذلك ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله عليا فأقبضه الثمن . ثم وصاه بحفظ ذمته وأداء أمانته ، فكانت قريش تدعو محمدا صلى الله عليه وآله في الجاهلية الأمين ، وكانت تستودعه وتستحفظه أموالها وأمتعتها ، وكذلك من يقدم مكة من العرب في الموسم ، وجاءته النبوة والرسالة والامر كذلك .
[1] قمص البعير : وثب ونفر ، والبكر ( بفتح الباء وسكون الكاف ) الفتى من الإبل . [2] في المصدر : فجعل خالد يقمص قماص البكر ، ويرغو رغاء الجمل ، ويذعر ويصيح ، وهو الصحيح ، وأما كلمة ابذعر في الكتاب بمعنى تفرق فلا معنى له . [3] عرج الدار : كما قال في البحار هو منعطف الدار أو مصعدها وسلمها . [4] فأجفلوا : فأسرعوا . [5] فأذكت قريش عليه العيون : أرسلت عليه الجواسيس . [6] اعتم : دخل في العتمة ( بفتح العين ) : الثلث الأول من الليل ، أو ظلمة الليل مطلقا .