ظل الكعبة ، فلما أبصروه تباشروا به ، وظنوا أن الحصر والبلاء حملهم على أن يدفعوا إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله فيقتلوه . فلما انتهى إليهم أبو طالب ورهطه ، رحبوا به ، فقالوا : قد آن لك أن تطيب نفسك عن قتل رجل ، في قتله صلاحكم وجماعتكم ، وفي حياته فرقتكم وفسادكم . فقال أبو طالب : قد جئتكم في أمر ، لعله يكون فيه صلاح وجماعة ، فاقبلوا ذلك منا ، هلموا صحيفتكم التي فيها تظاهركم علينا ، فجاءوا بها ، ولا يشكون إلا أنهم يدفعون رسول الله صلى الله عليه وآله إذا نشروها ، فلما جاؤوا بصحيفتهم ، قال أبو طالب : بيني وبينكم ، إن ابن أخي قد أخبرني - ولم يكذبني - أن الله عز وجل قد بعث على صحيفتكم الأرضة [1] فلم تدع لله تعالى اسما إلا أثبتته ونفت منها الظلم والقطعية والبهتان ، فإن كان كاذبا ، فلكم علي أن أدفعه إليكم تقتلونه ، وإن كان صادقا ، فهل ذلك ناهيكم عن تظاهركم علينا ؟ فأخذ عليهم المواثيق ، وأخذوا عليه ، فلما نشروها ، فإذا هي كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله ، وكانوا هم بالعذر أولى منهم فاستسر أبو طالب وأصحابه ، وقالوا : أينا أولى بالسخر والقطيعة والبهتان . فقام المطعم بن عدي بن نوفل بن مناف ، وهشام بن عمرو أخو بني عامر بن لوي بن حارثة ، فقالوا : نحن براء من هذه الصحيفة القاطعة العادية الظالمة ، ولن نمالي أحدا في فساد أمرنا وأشرافنا ، وتتابع على ذلك ناس من أشراف قريش ، فخرج أقوام من شعبهم ، وقد أصابهم الجهد الشديد ، فقال أبو طالب في ذلك أمر محمد صلى الله عليه وآله ، وما أرادوا من قتله : تطاول ليلي بهم نصب * ودمع كسح [2] السقاء [3] السرب [4]
[1] الأرضة : ( بفتح الهمزة والراء ) دويبة من فصيلة الأرضيات تقرض الأخشاب وتعيش في البلاد الحارة . [2] الكسح ( بفتح السين والحاء المشددة ) صب الماء صبا متتابعا غزيرا . [3] السقاء ( بكسر السين ) وعاء من جلد للماء واللبن ونحوهما . [4] السرب ( بفتح السين وكسر الراء ) : الماء السائل .